هو الساكن دائماً في قلبها وعقلها، هو مصدر فخرها وقوتها، هو ألوان الحياة ونبض الحنين، هو القوي الصامد... هو وطنها الحبيب لبنان.
خانته الأيام وأرهقته الهموم، بهتت ابتسامته وأصيب في عمق قلبه. في وجعه الصامت، تنهيدات حسرتها ورجاءات دعائها. نحن نعاني عندما يمرض وطننا، ونتألم حين نشاهده ينهار. إلا أنه من الضروري أن نصمد ونستمرّ، ومن هنا أهمية الحفاظ على صحتنا النفسية لكي نبقى أحياء وأسوياء.
يسعى الأفراد في كلّ المجتمعات للتمتع بصحة جيدة، والتي تعدّ الصحة النفسية جزءاً أساسياً منها. وتعرّف منظمة الصحة العالمية WHO الصحة بأنها "حالة من الرفاهية أو العافية Well -Being الجسمية والنفسية والإجتماعية التامة، وليس مجرّد غياب المرض أو العجز أو الضعف". كما تعرّف الصحة النفسية بأنها "حالة من الرفاهية يستطيع فيها كلّ فرد إدراك إمكاناته الخاصة، والتكيّف مع حالات التوتر العادية، والعمل بشكل منتج ومفيد، والإسهام في مجتمعه".
تتضمّن الصحة النفسية التمتع بسلوك صحي وسليم، والأداء الناجح للوظائف النفسية والعقلية. وهي تعبّر عن تكامل طاقات الفرد ووظائفه المختلفة، وتوازن القوى الداخلية والخارجية الموجّهة لسلوكه. وتتمثل مظاهر الصحة النفسية في السلامة النفسية، والشعور بالسعادة، وتحقيق الذات، والشعور بالرضا والطمأنينة والأمن، والإقبال على الحياة، والنشاط، والقدرة على التكيّف مع الواقع، ومواجهة الأزمات، وتحمّل الفشل، والنظرة الواقعية للذات من حيث القدرات والإمكانات، والتفاعل الإجتماعي السليم، والقدرة على إقامة علاقات إجتماعية ناجحة، وتجنب العزلة، وتقبّل قيم ومعايير الجماعة، والقدرة على التعامل مع مطالب الحياة، وإيجاد الحلول المناسبة عند ظهور مشكلة أو حدث طارئ.
بالمقابل، قد تتعرّض الصحة النفسية للإضطراب نتيجة العديد من الأسباب البيولوجية والإجتماعية والشخصية. كذلك هناك مجموعة من عوامل الخطر التي تسهم في حدوث وتطوّر الإضطرابات النفسية. وتضمّ إضطرابات الصحة النفسية الأكثر شيوعاً، إضطرابات المزاج كالإكتئاب، إضطرابات القلق، الوساوس القهرية، المخاوف المرضية، المشكلات السلوكية، إضطرابات الأكل كاضطراب فقدان الشهية العصبي واضطراب الشرة المرضي، إضطرابات الإدمان، واضطرابات النمو مثل التوحّد.
يتم علاج إضطرابات الصحة النفسية بواسطة طرق متنوعة من العلاج النفسي، وفي بعض الحالات الحادة قد يتم الإستعانة بالعلاج الدوائي. إلا أنّ عوامل الوقاية تبقى دائماً الأهم، وهناك العديد من الأساليب التي يمكن اتباعها للحفاظ على الصحة النفسية وتعزيزها:
-
إستمرار القيام بالعادات والهوايات والأنشطة المحبّبة.
-
إكتساب عادات يومية صحية مثل تنظيم أوقات النوم وتناول الطعام، وتخصيص أوقات للعمل وأوقات للراحة.
-
إتباع نمط حياة صحي مثل الحصول على نوم كاف وجيّد، ونظام غذائي متوازن، وممارسة الرياضة بانتظام.
-
قضاء وقت أكبر في الطبيعة.
-
تعزيز التواصل مع الأشخاص المقرّبين.
-
الإستخدام الإيجابي لوسائل التواصل الإجتماعي.
-
تعلم أساليب صحية للتعبير عن الإنفعالات والمشاعر السلبية.
-
مساعدة الآخرين والقيام بأعمال تطوعية لخدمة المجتمع.
-
الإشتراك في نشاطات الدعم والمساندة الإجتماعيين.
-
الإبتعاد عن مصادر التوتر والقلق.
-
التعامل الفعال مع الضغط النفسي.
-
تخفيف الوقت المخصّص لاستخدام الأجهزة الإلكترونية.
-
الإمتناع عن تعاطي العقاقير والمخدرات والكحول.
-
الحصول على الدعم من الأهل والأصدقاء.
-
طلب مساعدة متخصّصة عند الحاجة.
وفي ظلّ انهيار القطاع الصحي، وغياب خدمات الرعاية الأولية، وعدم توافر برامج الإرشاد النفسي، وخطط الوقاية والعلاج، ونقص المراكز المتخصصة، فإنه من الضروري بذل الكثير من الجهود على الصعيدين الفردي والعام للحفاظ على صحتنا حتى نستطيع الصمود في وطننا المريض.
الدكتورة هلغا عمر علاء الدين - قسم علم النفس - جامعة بيروت العربية
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.