أكد وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط أنّ المرحلة التي يمر بها لبنان اليوم تمثل بداية مسار إصلاحي جدي يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد على أسس واقعية وقابلة للاستمرار، مشدداً على أنّ التحسن الذي يظهر في بعض المؤشرات يجب أن يتطور إلى نمو مستدام، بدل أن يتحول إلى انتعاش ظرفي يتبعه تراجع.
وبحسب البساط فإن لبنان يمتلك المقومات الأساسية للنمو، وفي طليعتها رأس المال البشري، ومستوى التعليم العالي، والقدرة على الابتكار، والعلاقات الاقتصادية التاريخية في المنطقة، لافتاً إلى أنّ العلاقة الاقتصادية مع سوريا تشكل عنصرًا مهمًا في منظومة التصدير اللبنانية. واعتبر أنّ حركة النمو في سوريا تنعكس بطبيعتها على لبنان، بحكم الترابط بين البنيتين الاقتصاديّتين.
وجاء ذلك خلال زيارة وفد جمعية الإعلاميين الاقتصاديين برئاسة الزميلة سابين عويس، إلى الوزير عامر البساط. واستهلّت عويس اللقاء بالتعريف بالجمعية باعتبارها هيئة مرخّصة تُعنى بجمع الجسم الصحافي الاقتصادي، وتهدف إلى تعزيز الوعي الاقتصادي، والتدقيق في المعلومات، ونشر الحقائق، وتسويق ما يدعم المصلحة الوطنية ومصلحة الاقتصاد.
كما شكرت الوزير على تجاوبه واستعداده للنقاش، معربة عن أملها في أن يكون الحوار بنّاءً ومثمرًا، مشيرة إلى التحديات المطروحة أمام الحكومة في هذه المرحلة، ولا سيما الحاجة إلى وضوح أكبر في الرؤية الاقتصادية والسياسات المرافقة لها.
ورحّب البساط بهذه الملاحظات، مؤكدًا انفتاحه وشفافيته في مناقشة الأسئلة المطروحة. وأشار إلى أن الإشكالية في المرحلة الماضية كانت في التواصل، لا في غياب الرؤية، موضحًا أن "الرؤية الاقتصادية موجودة ومحددة، وأن العمل جارٍ على وضعها في وثيقة نهائية ستُعرض قريبًا".
وشدد على ان "الهدف الأساسي اليوم إعادة الاقتصاد اللبناني إلى حجمه الطبيعي، الذي يجب أن يتراوح بين ٦٠ و٧٠ مليار دولار على الأقل، في حين أنّ حجمه الحالي يتراوح بين ٣٠ و٤٠ مليار دولار. إنّ المؤشرات الأخيرة تظهر تحسنًا اقتصاديًا ملموسًا بالمقارنة مع عام ٢٠٢٤ بنسبة تقارب ٥ في المئة، وبنسبة تتراوح بين ١ و٢ في المئة مقارنة بعام ٢٠٢٣"، لكنّه شدد على أنّ "هذا التحسن لا يمكن أن يكتمل من دون وقف الحرب في الجنوب، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، وعودة الأهالي إلى منازلهم وأراضيهم ومؤسساتهم، لأنّ الاستقرار شرط أساسي للنمو والازدهار".
واعتبر أنّ "استعادة النمو المستدام تقوم على أربعة محاور مترابطة":
- إصلاح القطاع المصرفي من أجل أن يستعيد دوره الطبيعي في تمويل الاقتصاد المنتج، مشيرًا إلى رفع السرية المصرفية وإعداد قانون إعادة الهيكلة وفتح النقاش الجدي حول توزيع الخسائر.
- تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الخاص عبر خفض كلفة الإنتاج من خلال إصلاح قطاع الكهرباء والاتصالات والبنى التحتية، ما يسمح للشركات بإنتاج بتكلفة أقل وبجودة أعلى.
- تحسين الحوكمة والإدارة العامة من خلال تفعيل التعيينات، الحد من البيروقراطية، تخفيف التضخم التشريعي، وتطوير الأداء الرقابي.
- ترسيخ السيادة والاستقرار عبر بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي، معتبرًا أنّ "الأمن ليس نتيجة النمو، بل شرط مسبق لولادة النمو نفسه".
ولفت إلى أنّ "المعالجة بدأت فعليًا في عدد من الملفات، منها رفع الدعم عن مؤسسة كهرباء لبنان ووقف نزف الخزينة باتجاهها، وزيادة ساعات التغذية الكهربائية، وبدء خطوات إصلاحية في قطاع الاتصالات، وتحسين العمل في المرفأ والمطار، بالاضافة إلى توسيع برنامج أمان ليغطي أكثر من ١٦٠ ألف أسرة".
وتحدث عن عمل الوزارة "على مسارين متوازيين: الأول تنظيم العلاقة مع القطاع الخاص حيث ارتفعت نسبة رقمنة المعاملات من ٥٠ إلى ٨٠ في المئة مع هدف الوصول إلى ١٠٠ في المئة في العام المقبل، وتم خفض عدد طلبات العلامات التجارية العالقة من ١٦٠٠ إلى ٢٠٠، وإطلاق مكتب الدعم التجاري. أما المسار الثاني فهو الرقابة اليومية على الأسواق عبر عشرين ألف كشف ميداني في عام ٢٠٢٥، نتج عنها ١٥٠٠ محضر ضبط. وأوضح أنّ التضخم البالغ نحو ١٥ في المئة يعود نصفه إلى عوامل خارجية مرتبطة باستيراد السلع من أوروبا وتقلبات أسعار الطاقة والمواد الأساسية، ونصفه الآخر إلى الاحتكار الداخلي".
وأكد أنّ "المشكلة الأساسية ليست في عدد المراقبين بل في ضعف قيمة الغرامات وبطء البت القضائي"، مشيرًا إلى أن "مشاريع قوانين لرفع قيمة هذه الغرامات قيد الدرس في المجلس النيابي". وفي ما يتعلق بالمولدات، أشار إلى "انتقال التعامل مع المخالفين من المسار الإداري إلى المسار القضائي بما يشمل المصادرة وقد يصل إلى التوقيف".
وفي ملف الأمن الغذائي، أوضح أن "إنشاء ثلاثة إهراءات جديدة يشكّل ركنًا أساسيًا في استراتيجية الغذاء الوطني، على أن تكون موزعة بين بيروت والبقاع والشمال". وأشار إلى أن "دراسة الجدوى في مراحلها الأخيرة، وأن الإهراءات في بيروت لن تُقام في موقع الإهراءات السابقة احترامًا لرمزية الموقع ولوجود مخزون يتطلب معالجة خاصة".
وبالنسبة إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، شدد الوزير البساط على أنّ "الموقف اللبناني موحّد وجدي، وأنّ النقاش يتركز على هرميّة توزيع الخسائر"، مؤكّدًا "موقف الرئيس سلام بشطب فكرة شطب الودائع، وأنّ توزيع الخسائر يجب أن يتم بشكل عادل بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف، وبما يسمح لكل طرف بالاستمرار في أداء دوره". وأكد أن "لا جهة خارجية، بما في ذلك صندوق النقد، يمكن أن تفرض على لبنان شروطًا تتعارض مع مصلحته الوطنية". وأعرب عن أمل في "إقرار قانون الفجوة المالية من قبل الحكومة قبل نهاية السنة"، لافتًا إلى أنّ "الرئيس سلام يتابع هذا الملف مباشرة ويوليه اهتمامًا خاصًا".
وفي ما يتعلق بمؤتمر بيروت واحد، أوضح اأنّه يشكل انتقالًا من "سردية طلب المساعدة كما في مؤتمرات باريس وسيدر إلى سردية الاستثمار والشراكة"، معتبرًا أنّ "ميزة لبنان التنافسية تكمن في اقتصاده الإبداعي وفي قيمة الإنسان فيه".
وقال: "نحن بحاجة إلى سردية جديدة واقعية ومسؤولة، تنقل الأمل المبني على الوقائع لا على الإنكار، وتبتعد عن خطاب الهزيمة والاستسلام".
وأشار إلى "الحاجة إلى مراجعة بعض الاتفاقيات التجارية بشكل يحمي القطاعات الإنتاجية المحلية، مع الأخذ في الاعتبار تحديات المنافسة مع دول ذات قدرات إنتاجية كبيرة مثل تركيا ومصر.
وختم داعيًا الإعلام الاقتصادي إلى أن يكون "شريكًا في تقديم الصورة الكاملة للمجتمع والرأي العام ومواكبة التحول الجاري بطريقة مسؤولة وعادلة".