سوليكا علاء الدين
مع تفاقم حدة أزمة المحروقات سوءاً، تزداد رقعة أعمال تهريب البنزين والمازوت إلى سوريا توسعاً عبر جميع المعابر الشرعية وغير الشرعية على الحدود اللبنانية بوتيرة تصاعدية وبصورة وقحة وبتغاض أمني مكشوف حتى أصبحت من الروتين اليومي لكثير من التجار والمهربين والمحتكرين الذين يعمدون إلى تخزينها ومن ثم تهريبها من أجل الإستفادة منها على حساب حرمان أبناء وطنهم منها.
لم تعد عمليات التهريب تقتصر على كونها عبئاً ثقيلاً على خزينة الدولة واستنزافاً للإحتياط الإلزامي لدى المصرف المركزي فقط، بل أصبحت صهاريج الوقود المهربة قنابل موت موقوتة تتنقل بين المواطنين وتهدد أمنهم وأرواحهم. فقد ألحقت أزمة شح المحروقات خسائر جسيمة في كافة القطاعات الإنتاجية والإقتصادية وفي حال استمرار تفاقم الأزمة فإن كلفة الخسارة ستكون عرضة لمزيد من الإرتفاع.
تشير أرقام "الدولية للمعلومات" إلى أن كلفة تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا المدعومة على حساب ودائع اللبنانيين تقدّر بـ 235 مليون دولار سنوياً، موزعة بين 5 ملايين صفيحة من البنزين تصل كلفة دعمها إلى 35 مليون دولار تقريباً وبين 28 مليون صفيحة من الفيول والمازوت تبلغ كلفة دعمها نحو 200 مليون دولار. أما الخسارة المباشرة التي يسببها الإنتظار الطويل أمام المحطات في طوابير البنزين وإجمالي ضياع الإنتاجية التي يتكبدّها أصحاب السيارات والآليات بسبب فقدان البنزين، فتتراوح ما بين 830 مليار ليرة و 1,440 مليار ليرة، أي بمتوسط نحو 1,100 مليار ليرة.
بعد مسرحية رفع الدعم من قبل السلطة والمصرف المركزي، أعطيت الأوامر إلى الجيش اللبناني بمداهمة محطات المحروقات ومصادرة كافة مخزونها من البنزين والمازوت وإجبارها على بيعه للمواطنين وفق السعر المدعوم أي 3900 ليرة للدولار. وبالرغم من أن حملة الدهم هذه جاءت كردة فعل لضبط الأوضاع ولامتصاص صدمة رفع الدعم ولتنفيس غضب اللبنانيين لا سيما بعد فاجعة بلدة تليل العكارية، إلا أنها أتت متأخرة وغير كافية وإن كانت خطوة ضرورية، فمهمة الجيش لا تقتصر فقط على مداهمة المحطات ومصادرة مخزونها، بل تقع على عاتقه مسؤولية ضبط حدود الوطن ومنع قوافل التهريب من العبور وملاحقة المهربين وعدم تأمين غطاء أمني لهم ولمن يحميهم من أصحاب النفوذ والسلطة.
عمليات المداهمة مستمرة وكميات هائلة من المحروقات المخبأة ضبطت في العديد من المحطات بخزانات ومستودعات موجودة تحت الأرض أو بأماكن سرية وبطرق إحتيالية وأساليب إحترافية، وقد ساهمت إلى حد بسيط في إعادة توزيع الوقود المخزن وفي التخفيف من تنقل الصهاريج المهربة إلا أنه لم ينتج عنها توقيف ومحاسبة أي صاحب مخزن أو مستودع ومساءلته عن الكميات التي ضبطت لديه وكيفية وصولها إليه، ما يعني أن الباب سيترك مفتوحاً أمام المزيد من عمليات الإحتكار والتخزين والتهريب خاصة مع عدم الإتفاق على حل جذري لأزمة المحروقات.
من يتابع تقارير الجيش والقوى الأمنية في الأيام الماضية، يرى أن الأرض في لبنان وبقدرة قادر تفجرت ينابيع بنزين ومازوت بدلاً من المياه. وفي حين امتنع أصحابها عن الإفراج عنها طمعاً بتهريبها أو بيعها في السوق السوداء، تاركين المواطنين لساعات انتظار طويلة في طوابير ذل وقهر وخطر ومتجاهلين صرخات إستغاثة المستشفيات وإحتياجات الأفران ومصانع الأدوية. اليوم، طالت حملة التفتيش والمداهمة البنزين والمازوت، ولو سري الأمر على الطحين والخبز والدواء فمن المؤكد أن الحال سيكون نفسه... لا شيء مفقود في لبنان، كلّه مخبأ تحت الأرض بانتظار رفع الدعم طمعاً ببيعه بأسعار مرتفعة وجني أرباح طائلة من قبل مافيا جشعة ومنعدمة الضمير من التجار والمحتكرين والمهربين الذين ينهشون لحم شعب يعيش في العتمة والذل والحرمان ويجمعون ثرواتهم على حساب دمه ويجنون أرباحاً من مآسيه، فأي درك من الإنحطاط الأخلاقي والإنساني وصلوا إليه؟
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.