-A
+A

مصارف لبنان بين الحقيقة والفرضيات

Business Echoes website logo
مصارف لبنان بين الحقيقة والفرضيات
بقلم الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور فادي خلف
يسيل حبر كثير ويتبرع البعض لتحليل ما تريده المصارف وما لا تريده وفي النهاية هنالك حقيقة واحدة لا مجال فيها للفرضيات.

الفرضية الأولى:

يتبرع البعض بالقول بأن المصارف تعارض الكابيتال كونترول كونها تريد متابعة التحاويل إلى الخارج.

الحقيقة:

إن أية تحاويل مستقبلية للخارج لا يمكن أن تكون لصالح المصارف التي يتم تقييم استمراريتها حالياً من قبل الهيئات الرقابية والجهات الدولية بما تمتلكه من سيولة بالعملات الأجنبية النقدية. بالتالي، إن أية تحاويل للخارج ستُضعِف دون أدنى شك سيولتها بالعملات الأجنبية وتهدد استمراريتها، مما يجعل هذا التحليل ساقطاً حكماً.

الفرضية الثانية:

المصارف تعارض الكابيتال كونترول لأنها لا تملك ما يكفي لدفع الألف دولار شهرياً المذكورة في المادة السادسة من مشروع القانون.

الحقيقة:

قد لا تتوفر السيولة الكافية حالياً لدى معظم المصارف لدفع 1000 دولار شهرياً كحد أقصى بحسب ما يتطلبه مشروع القانون، خاصة أن لكل مصرف إمكاناته المحدودة من السيولة ووضعه الخاص.

أما ما قد يشكل نقطة تلاقي للمصارف فهو متابعة تطبيق التعميم 158 بحسب المعادلة التالية: 800 دولار، نصفها بالليرة والنصف الآخر بالدولار النقدي على أساس 200 دولار يؤمنها المصرف المركزي و200 دولار تؤمنها المصارف من سيولتها. هذه المعادلة يمكن لعدد من المصارف الاستمرار بمراعاتها وإن كان الواقع لا يؤكد أن مجمل المصارف ستتمكن من ذلك. بالتالي تبقى متابعة تطبيق التعميم رقم 158 هي الأقرب إلى الممكن وكل ما عدا ذلك هو بعيد كل البعد عن الواقع ولن تستطيع المصارف التكيُّف معه.

الفرضية الثالثة:

يعلل البعض الآخر تأييد المصارف لقانون الكابيتال كونترول بحماية نفسها من الدعاوى عبر المادة 12 من مشروع القانون.

الحقيقة:

في ما يختص بالمادة 12 من مشروع القانون والتي تُعنى بالإجراءات القضائية فالجواب يأتينا من واقع الدعاوى الحالية، حيث أن قلة من كبار المودعين المقيمين في الخارج هم من يربحون الدعاوى ضد المصارف فيجففون سيولتها المفروض توزيعها بالتساوي على كافة المودعين عبر التعميم 158. إن ترك قلة من المودعين غير المقيمين يستأثر بحقوق صغار المودعين الذين لا قدرة لهم على تحمل تكاليف الدعاوى في الخارج، هو الاستنسابية بعينها، حتى أضحى من الأصح تسميتها بدعاوى كبار المودعين ضد صغار المودعين. إن مواجهة الاستنسابية تكون بالحفاظ على ما تبقى من سيولة على قلتها لدى المصارف لاستعمالها بتسديد الودائع من خلال التعميم 158. 

الفرضية الرابعة:

ينبري بعض المحللين بالافتراض بأن لا مصلحة للمصارف بالمضي بمشروع قانون إعادة التوازن للقطاع المالي أو بقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي كونها تفضل الإبقاء على الوضع الحالي بهدف إستنزاف الودائع على مر السنين.

الحقيقة:

إن هذا الكلام يفتقد للدقة كون الأرقام تؤكد العكس. إن الانخفاض الذي شهدته الودائع بالعملات الأجنبية بحوالي 27 مليار دولار منذ بداية الأزمة يعود بمعظمه الى تسديد جزء كبير من التسليفات بشيكات وتحاويل مصرفية. أما وقد تقلصت التسليفات الى حوالي 12 مليار دولار، فان انخفاض الودائع سينحصر مستقبلاً بالسحوبات والتي قد لا تمثل أكثر من 2 إلى 3 مليار دولار سنوياً. بالتالي إن أي تذويب مفترض للودائع سيستغرق ما لا يقل عن 30 عاماً. هل يملك القطاع المصرفي ترف الوقت لينتظر عقوداً من الزمن مع ما يراكمه من خسائر سنوية وما يعانيه من تقليص لأعماله؟ هل من مصلحة المصارف وهي المتضررة من النزف الحالي أن تتوخى استمراره لعقود؟ بالتالي إن هذه الفرضية تعتبر ساقطة أقله من الناحية العملية للأمور.

الفرضية الخامسة:

يعتقد البعض عن خطأ بأن شطب الودائع يريح المصارف من التزاماتها.

الحقيقة:

إن شطب الودائع في حال حصوله سيكون هدفه الأول والأخير تملص الدولة من التزاماتها تجاه المصارف بطريقة غير مباشرة، مع ما يعنيه ذلك من وضع المصارف في مواجهة مع مودعيها. ستقف يومها الدولة ومؤسساتها، كما هي الحال اليوم، موقف المتفرج على صراع تسببت هي به ضمن القطاع الخاص. إن أفضل تشبيه يصح تصويره في هذا السياق، هو ذلك السائق المتهور الذي تسبب بحادث اصطدام بين باقي السيارات فيما لاذ هو بالفرار وراح يتفرج من بعيد على الضحايا، موَجِّهاً سيارات الإسعاف وفارضاً نفسه حكماً في توزيع المسؤوليات.

الفرضية السادسة:

صندوق استعادة الودائع هو الحل الأنسب للمصارف.

الحقيقة:

إن المصارف ترى في صندوق استعادة الودائع حلاً من الحلول الممكنة، على أن لا تعود وتُلقى على عاتقها النسبة الأكبر من تمويل هذا الصندوق، فيما تتحمل الدولة نسباً ضئيلة من التمويل عبر مساهمات بمداخيل افتراضية أكثر منها واقعية. إن الدولة إستهلكت 62 ملياراً و670 مليون دولار من أصل فجوة قدرها 73 ملياراً، أي 86% من الفجوة وبالتالي عليها أن تساهم بنفس النسبة في تغذية صندوق استعادة الودائع بطرق عدّة ومنها على سبيل التعداد لا الحصر الشراكة مع القطاع الخاص، كما وتخصيص قسم من الموارد النفطية المتوقعة. ما هو عدا ذلك لا يعدو كونه عملية تملص للدولة من مسؤولياتها في هدر أموال المودعين ومخالفة واضحة للمادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تُلزِم الدولة بتغطية خسائر مصرف لبنان كاملة.

الفرضية السابعة:

الحل يبدأ من إصلاح القطاع المصرفي والباقي يتبع.

الحقيقة:
يكفي أن نعود الى السؤال الأساسي "كيف استُنزِفَت أموال المودعين؟" لندرك بأن إصلاح القطاع المصرفي ما هو الا جزء من الحل ولا يمكن أن يؤدي الغاية المنشودة منه إذا لم يترافق مع إصلاح جذري للقطاع العام. لقد هُدِرَت أموال المودعين لان القطاع العام إستهلك أموال القطاع الخاص ليُمَوِّل فساده. بمعنى آخر، لو تم إصلاح القطاع المصرفي وتم ضخ الأموال فيه، إن توفّرَت على قِلَّتها، سيعود القطاع العام من جديد ليستهلك كل ما يُضَخّ، أكان بالطرق المباشرة أو غير المباشرة. إن هذا الواقع ما زال مستمرّاً أقله منذ عقود وما يُطلب اليوم من مصرف لبنان من تأمين لتمويل لكهرباء لبنان مقابل التسديد من الجباية يدخل ضمن هذا السياق وكلنا يعرف ما الجباية في لبنان. إن ضخ الأموال في السلة المثقوبة تحت وعود إقفال الثقوب لاحقاً لم يعد يتقبلها لا المصرفيون ولا المودعون.

الفرضية الثامنة:

إن المصارف هي من تعرقل الحلول والخطط المطروحة.

الحقيقة:

إن الحل والربط هو في يد المجلس النيابي، فلا الحكومة ولا مصرف لبنان ولا المصارف لهم الكلمة الفصل في هذا المجال. لقد أبدت جمعية المصارف كل تعاون وأعطت رأيها بوضوح في تعميمها الصادر في الرابع من شهر تشرين الأول 2022، أما القرار النهائي فيبقى للسلطات التشريعية وحدها.

الفرضية التاسعة:

يرى البعض بأن الأموال التي سيوفرها صندوق النقد غير كافية.

الحقيقة:

إن أهمية الاتفاق لا تكمن في 750 مليون دولار سيوفرها سنوياً الصندوق على مدى أربع سنوات ولا حتى بما سيوفره شركاء الصندوق وهم ينقسمون إلى قسمين؛ 
- الدول الخليجية وهي لديها شروطها السياسية المعروفة.
- الدول الغربية والمؤسسات الدولية والتي تنحصر مساعداتها بمشاريع معظمها يتعلق بالبنى التحتية ودونها شروط لن تجعلها متاحة في المدى القصير.
أهمية الاتفاق هي في الإصلاحات البنيوية المطلوبة من قبل صندوق النقد والتي لن تكون فاعلة إذا لم تعالج على وجه الخصوص مكامن الهدر والفساد وتَرَهُّل القطاع العام، بالإضافة إلى ضبط المرافق العامة والحدود.

يمكنكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا.
+A
-A
Business Echoes

مقالات مماثلة مقالات مماثلة

المصارف بين الحقيقة والفرضيات
المصارف بين الحقيقة والفرضيات
04:40 ص | 2023-03-08

المصارف بين الحقيقة والفرضيات

اجتماع بين وزير المالية وجمعية مصارف لبنان.. فما النتيجة؟
اجتماع بين وزير المالية وجمعية مصارف لبنان.. فما النتيجة؟
09:06 ص | 2025-11-03

اجتماع بين وزير المالية وجمعية مصارف لبنان.. فما النتيجة؟

هل ستلجأ المصارف اللبنانية إلى تعيين مستشار مالي العالمي ولماذا؟
هل ستلجأ المصارف اللبنانية إلى تعيين مستشار مالي العالمي ولماذا؟
08:32 ص | 2025-08-06

هل ستلجأ المصارف اللبنانية إلى تعيين مستشار مالي العالمي ولماذا؟

مصارف لبنان تُعلّق على التعميم 169
مصارف لبنان تُعلّق على التعميم 169
09:43 ص | 2025-07-02

مصارف لبنان تُعلّق على التعميم 169

Business Echoes

الأكثر قراءة الأكثر قراءة

اليوم
الأسبوع
الشهر
ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟
ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟
منذ 11 ساعة

ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟

بنك لبنان والمهجر يُطلق أول خدمة دفع من نوعها في لبنان
بنك لبنان والمهجر يُطلق أول خدمة دفع من نوعها في لبنان
12:54 م | 2025-11-05

بنك لبنان والمهجر يُطلق أول خدمة دفع من نوعها في لبنان

من رد الودائع إلى استخدام الذهب.. هذا ما كشفه حاكم مصرف لبنان لجمعية الإعلاميين الاقتصاديين
من رد الودائع إلى استخدام الذهب.. هذا ما كشفه حاكم مصرف لبنان لجمعية الإعلاميين الاقتصاديين
10:05 ص | 2025-11-05

من رد الودائع إلى استخدام الذهب.. هذا ما كشفه حاكم مصرف لبنان لجمعية الإعلاميين الاقتصاديين

صباح متقلّب للذهب
صباح متقلّب للذهب
منذ 14 ساعة

صباح متقلّب للذهب

ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟
ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟
منذ 11 ساعة

ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟

أمر ضروري.. إعلام لجميع حاملي خطوط ألفا
أمر ضروري.. إعلام لجميع حاملي خطوط ألفا
13:05 م | 2025-11-03

أمر ضروري.. إعلام لجميع حاملي خطوط ألفا

مصرف لبنان يصدر التعميم 744.. فماذا جاء فيه؟
مصرف لبنان يصدر التعميم 744.. فماذا جاء فيه؟
06:14 ص | 2025-11-04

مصرف لبنان يصدر التعميم 744.. فماذا جاء فيه؟

تعديل في أسعار البنزين والمازوت اعتباراً من اليوم
تعديل في أسعار البنزين والمازوت اعتباراً من اليوم
01:49 ص | 2025-10-31

تعديل في أسعار البنزين والمازوت اعتباراً من اليوم

 5 عادات سلبية يجب أن تتجنبوها أثناء سفركم
 5 عادات سلبية يجب أن تتجنبوها أثناء سفركم
09:30 ص | 2025-10-13

5 عادات سلبية يجب أن تتجنبوها أثناء سفركم

أول رد من شركة تنورين بعد قرار وزارة الصحة
أول رد من شركة تنورين بعد قرار وزارة الصحة
12:03 م | 2025-10-13

أول رد من شركة تنورين بعد قرار وزارة الصحة

لماذا لا يصدّق الناس خبراء الاقتصاد عندما يحذرون من أزمة
لماذا لا يصدّق الناس خبراء الاقتصاد عندما يحذرون من أزمة
09:00 ص | 2025-10-13

لماذا لا يصدّق الناس خبراء الاقتصاد عندما يحذرون من أزمة

هل فعلاً رفع الهاتف للأعلى يُحسّن الإرسال؟
هل فعلاً رفع الهاتف للأعلى يُحسّن الإرسال؟
06:00 ص | 2025-10-08

هل فعلاً رفع الهاتف للأعلى يُحسّن الإرسال؟

Business Echoes

اقرأ أيضا في الضيوف اقرأ أيضا في الضيوف

لا اقتصاد قوي من دون صناعة قوية
لا اقتصاد قوي من دون صناعة قوية
Our Guest
12:22 م | 2025-11-05

لا اقتصاد قوي من دون صناعة قوية

لبنان... وطن مفقود في غياب الثقة
لبنان... وطن مفقود في غياب الثقة
Our Guest
03:25 ص | 2025-10-04

لبنان... وطن مفقود في غياب الثقة

مستقبل خال من الدخان.. فيليب موريس تعزز حضورها في لبنان بمنتجات تدعم إستراتيجيتها للتحول
مستقبل خال من الدخان.. فيليب موريس تعزز حضورها في لبنان بمنتجات تدعم إستراتيجيتها للتحول
Our Guest
05:30 ص | 2025-10-01

مستقبل خال من الدخان.. فيليب موريس تعزز حضورها في لبنان بمنتجات تدعم إستراتيجيتها للتحول

وزير المال يكشف عن آلية رد الودائع ومسار المفاوضات مع IMF
وزير المال يكشف عن آلية رد الودائع ومسار المفاوضات مع IMF
Our Guest
09:02 ص | 2025-09-19

وزير المال يكشف عن آلية رد الودائع ومسار المفاوضات مع IMF

ads
Business Echoes

آخر الأخبار آخر الأخبار

الدولار يخسر أعلى مستوياته
منذ 8 ساعات

الدولار يخسر أعلى مستوياته

الدولار يخسر أعلى مستوياته
منذ 8 ساعات

الدولار يخسر أعلى مستوياته

شقير يرعى إطلاق المحفظة الرقمية Blue-Wallet للخدمات المالية الرقمية
منذ 9 ساعات

شقير يرعى إطلاق المحفظة الرقمية Blue-Wallet للخدمات المالية الرقمية

شقير يرعى إطلاق المحفظة الرقمية Blue-Wallet للخدمات المالية الرقمية
منذ 9 ساعات

شقير يرعى إطلاق المحفظة الرقمية Blue-Wallet للخدمات المالية الرقمية

ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟
منذ 11 ساعة

ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟

ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟
منذ 11 ساعة

ماذا قال حاكم مصرف لبنان عن رفع سقف سحوبات التعميمين 158 و166؟

يستخدم الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك.
موافق