إن ما تعرضت له اسواق السندات الدولارية المحمولة للدولة اللبنانية مؤخراً، كان نتيجة سوء فهم من المتعاملين في الأسواق، وخوف غير مبرّر على قيمة سندات الخزينة اللبنانية.
فماذا حصل؟
في زحمة الاحداث السلبية التي تسود البلاد بدءً من جمود عملية تشكيل الحكومة مروراً بالتجاذب حول مصير القمة الاقتصادية العربية المقررة في 19 الجاري في بيروت والضغوط المتلاحقة على الاقتصاد اللبناني وعلى سعر صرف العملة المحلية، وصولاً الى التشنج على المستوى الشعبي والوطني، فضلاً عن التقرير الذي نشرته مؤخراً غولدمان ساكس حول احتمالات الوضعيْن المالي والنقدي اللبناني، من خلال سيناريو What If، أعلن وزير المال العناوين الرئيسية لخطة اصلاح مالي، تتركز على اعادة جدولة الدين العام، وإعادة هيكلته بما يؤدي الى تخفيض عجز الموازنة، وصولاً الى تحقيق التوازن المالي وتترافق مع العمل على جانبيْ الموازنة، بحيث يتم العمل على زيادة الايرادات من جهة، وتقليص النفقات بكافة أوجُهها من جهة أخرى.
كان لهذا الإعلان وقعٌ سيئٌ على الأسواق وخصوصا اسواق اليوروبوند، فسادتها حالة من الذعر والهلع، وتراجعت القيمة السوقية لهذه السندات، وبتنا نحتاج الى تطمينات بعد التوضيح.
ومن حيث الشكل
إن إقرار هذه الخطة يتم من خلال حكومة عاملة حيث يجب مشاركة عدة وزارات ومؤسسات في اقرارها، وذلك غير متوفر حالياً.
أما من حيث المضمون فإن هذه الإجراءت تحتاج الى دراسات، وسيناريوهات لتبيّن أثرها الاقتصادي والاجتماعي، والتأكد من سلامة نتائجها المرتقبة، ومن ثم اقرارها ووضع آلية تنفيذها.
أما على المستوى الخارجي، فإن المخاوف الناجمة عن هذا الإعلان يعود مردّها الى إطلاق مقارنة غير منطقية وغير واقعية من المتخوّفين على الوضع المالي، بين الواقع اللبناني والواقع الخارجي وبالذات الواقعين القبرصي واليوناني، ذلك لان ما حصل في اليونان وقبرص من عمليات " قص شعر" hair cut اي مصادرة جزء من الودائع لدى المصارف لصالح الدولة بعد الازمه الماليه العالميه يعود سببه الى ان المصارف في هذين البلدين كانت قد وظفت جزءا من ودائعها في استثمارات، فقدت جزءا من قيمتها بسبب الازمة مما وضعها في حالة تعثر حقيقية فيما الحالة في لبنان مختلفة، وذلك في معرض استعراض تجارب الآخرين وهذا هو مصدر حالة الذعر والهلع التي سادت في اليومين الأخيرين.
في الواقع وهنا بيت القصيد لا مجال للمقارنة بين الوضع في لبنان وأي بلد آخر للأسباب التالية:
-
إن لبنان الدولة لم يتخلف يوماً عن الوفاء بإلتزاماته المالية حتى في أحلك الظروف في ثمانينات القرن الماضي.
-
إن المصارف اللبنانية لم تشهد في أي وقت أي نوع من أنواع التعثر - بإستثناء بعض المصارف التي تم إخراجها من السوق بقرارات حاسمة وحكيمة من السلطات الرقابية - وهي ملتزمة بكافة التشريعات ومعايير السلامة والملاءة الدولية مثل مقررات بازل ومنظمة فاتف. كما وأن اموالها الخاصة تتخطى 11 في المئة من مجمل ودائعها وما يتوفر لديها من مؤونات يفوق بكثير الديون المشكوك بتحصيلها والمعدومة.
في المحصلة إن مصارف لبنان لم تتخلّف عن الإيفاء بإلتزاماتها تجاه المودعين على المدييْن القريب والمتوسط على أقل تقدير.
-
إن العملة الوطنية مستقرة بفضل سياسة مصرف لبنان الحكيمة وبشهادة كافة المراجع النقدية الدولية وما يعزز هذه النظرة هو ما يتوافر من احتياطات لدى مصرف لبنان تفوق الـ 40 مليار دولار اميركي، فضلاً عن احتياطي الذهب الذي يتخطى الـ 10 مليارات دولار، وذلك كافٍ لإمتصاص الكتلة النقدية الساخنة بالعملة اللبنانية (Hot Money) في أسوأ الظروف.
من هذا العرض نخلص الى أن ما شهدته الأسواق المالية من ذعر وهلع ليس له ما يبرّره، وهو يدخل في نطاق لعبة شد الحبال وعضّ أصابع، التي تمارسها بعض الجهات السياسية الداخلية، بالرغم من صحة ما أعلنه وزير المال وسلامة هدفه، وذلك في حلبة الصراع على تعزيز مواقع هذه القوى داخلياً.
بإعتقادي إنها غيمة سوداء لا بدّ أن تنقشع وتعود بالتالي حالة الهدوء الى الأسواق بإنتظار خروج لبنان من أزمته الحالية، ومن يعش يرى.
بقلم بهيج الخطيب
مستشار مصرفي