سوليكا علاء الدين
تشتدّ وطأة الأزمة الاقتصادية شراسة يوماً بعد يوم ليضيق معها الخناق أكثر فأكثر على رقاب المواطنين وتتعاظم مآسيهم دون أي رحمة أو رأفة، حتى أصبحت مشاهد العذاب والقهر رفيقة أيّامهم البائسة. معاناة اللبنانيين الغير مسبوقة ليست مستجدّة ولكن من سوء حظّهم، تزامن تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعية وما رافقه من تحليق لسعر صرف الدولار وانهيار للعملة الوطنيّة وتراجع للقدرة الشرائيّة وفرض قيود على سحب الودائع من المصارف مع انتشار جائحة كورونا وتداعياتها السلبيّة خاصة على القطاعات الصحيّة والاستشفائيّة والتجاريّة، الأمر الذي جرفهم إلى قعر الكارثة وجعل أكثر من 82 في المئة منهم يرزحون في فقر متعدّد الأبعاد.
منذ بداية الانهيار الأقصى والأصعب، واللبنانيون يضربون موعداً يوميّاً مع شتّى أنواع المعاناة، فمن التزاحم والتنافس والتشابك في المحلات التجارية أملاً بالحصول على ما تيسّر من بعض السلع الغذائية المدعومة إلى طوابير الذل والانتظار الطويلة أمام الأفران والصيدليّات ومحطات الوقود والمصارف مروراً بعمليّات تهريب وتخزين واحتكار البضائع والغلاء الفاحش وصولاً إلى كارثة رفع الدعم دون تأمين شبكة أمان اجتماعيّة لدعم الأسر والأفراد الأكثر عوزاً ناهيك عن الأزمات المُعتاد عليها منذ سنوات طويلة كانقطاع الكهرباء والمياه وتردّي الاتصالات والانترنت؛ حتى أصبحوا يعيشون في دوّامة هلع مستمرّ بسبب خوفهم من فقدان حاجاتهم الأساسيّة أو عجزهم عن تأمينها بسبب غلاء أسعارها بعد أن بات الحصول على الغذاء والدواء لمن استطاع إليهما سبيلاً.
ولعلّ من أسوأ نِتاج هذه الأزمة المتشابكة هو ظهور زُمرة من تجّار الأزمات الذين يتحكّمون بالأسواق ويخنقون اللبنانيين ويُفرغون جيوبهم حتى بات لبنان سوق سوداء كبير. فهؤلاء التجار لم يتوانوا عن اقتناص هذا الوضع المتأزم واعتباره فرصة لتنفيذ لعبتهم الدّنيئة والغير أخلاقيّة وممارسة أبشع أنواع الاستغلال والإحتيال بمختلف طرق الإحتكار وإخفاء جميع السلع الغذائيّة الأساسيّة وأصناف الأدوية ومواد المحروقات من السوق من أجل رفع أسعارها وإعادة بيعها بأسعار خياليّة مبرّرين دوماً تصرّفاتهم الشنيعة بارتفاع سعر صرف الدولار تارةً والشراء أو الإستيراد على سعر مرتفع طوراً، على الرغم من أنً البضائع مكدّسة في مخازنهم ومتواجدة في متاجرهم قبل حدوث الأزمة بأشهر وارتفاع سعر الصرف والدليل على ذلك هو السعر القديم المدوّن عليها أو قرب انتهاء تاريخ صلاحيّتها.
والمُعيب في الأمر، أنّ ذريعة الدولار التي يتحجّجون بها باتت مكشوفة فسواء حلّق أو انخفض الدولار، تبقى الأسعار ناراً وكواء. إذ مع كل قفزة في سعر الصرف، يهرعون بين ليلة وضحاها إلى استبدال لائحة أسعارهم القديمة بأخرى أكثر ارتفاعاً وابتزازاً وإيلاماً لجيوب المواطنين الفارغة من أجل سلب ما تبقّى من فتات أموالهم وتحقيق كسب مادي غير مشروع إرضاءً لطمعهم وإشباعاً لنفوسهم الجائعة. أمّا عند هبوط الدولار، لا شيء يتغيّر ولا الأسعار تنخفض إذ تشاء الصُدف أن تكون جميع عمليّات شراء السلع قد تمّت على سعر مرتفع وهذا ما حصل مع الإنخفاض المفاجئ والسريع لسعر صرف الدولار الذي تراجع من 33 ألف ليرة إلى ما يقارب الـ 23 ألف ليرة أي بمعدل10 ألاف ليرة للدولار الواحد دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على لائحة الأسعار التي ما تزال مرتفعة ولم تسجّل أي تراجعات ملحوظة في معظم المحلات التجارية؛ فالتجار لا يتخلّون عن جشعهم ولا يلتزمون بتسعير بضائعهم وفق سعر الصرف المعتمد في السوق لتبقى الأسعار رهينة طمعهم وتلاعبهم الفاحش.
لا يكفي اللبنانيون الخسائر التي يتكبّدوها والمصائب التي تقع على رؤوسهم والإكتواء بنار الدولار وتقلّباته والإنهماك بكيفية تأمين أبسط حاجاتهم اليومية للبقاء على قيد الحياة ، حتى يزيد التجار من إذلالهم ويطيلون من أمد معاناتهم بكل دم بارد مستفيدين من توفير الحماية والغطاء لأفعالهم وغياب الرقابة الحكومية للجم ارتفاع الأسعار الجهنمي وعدم تعرّضهم للمحاسبة والملاحقة القانونيّة فيتمادون في الاستغلال والابتزاز والتحكم بمصير المواطنين غير آبهين بمعاناتهم الموجعة.
بين مطرقة ارتفاع الدولار وسندان أسعار التجار، يتهاوى المواطن اللبناني رويداً رويداً ومعه تتلاشى قدرته على الصمود حيث يدفع وحده من جيبه وصحّته ونفسيّته وأعصابه تكاليف باهظة الثمن يصعب عليه استردادها أو تعويضها. فإلى تجار الأزمات.... إتقوا الله جميعاً وإرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.