سوليكا علاء الدين
منذ الإعلان عن ولادة الحكومة الجديدة مطلع شهر أيلول، والجميع يترقّب المسار الذي سوف تسلكه من أجل النهوض بلبنان وإخراجه من أزمته المستعصية لا سيما مع وجود الكثير من التحديات الصعبة والعديد من علامات الاستفهام التي تُرسم حول قدرتها على إيجاد حلول صارمة لمعالجة النكسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية التي تعصف به. وعلى الرغم من نيلها ثقة المجلس النيابي، إلا أنها حتى اليوم لم تنجح في كسب ثقة الشعب اللبناني والمجتمع العربي والدولي ولم تفلح في الإمساك بزمام الأمور ولجم الانهيار الذي طاول كافة القطاعات وفاقم من معاناة جميع اللبنانيين.
الحكومة التي تتنقّل داخل حقل مليئ بالألغام معرّض للانفجار في أي وقت وعند كل استحقاق، بدأت ملامحه تلوح بالأفق مع ظهور التجاذبات السياسية الحادة داخلها التي أسقطت أقنعة الاختصاصيين وكشفت الوجوه على حقيقتها، فبلغت الانقسامات ذروتها مع انفجار اللّغم الأول المتعلق بقضية المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت وما رافقها من أحداث أمنيىة، لتصاب الحكومة بشلل كلّي ما جعلها غير قادرة على الانعقاد وعاجزة عن تجاوز الخلافات السياسية بين أطرافها المتنازعة.
أما اللّغم الثاني فكان استفحال الأزمة الدبلوماسية الغير مسبوقة مع مختلف دول الخليج العربي لا سيما المملكة العربية السعودية التي استدعت سفيرها المعتمد في لبنان من أجل التشاور وبالمقابل طلبت من السفير اللبناني مغادرة أراضيها مع اتخاذ الكويت، البحرين والامارات العربية المتحدة موقفاً مماثلاً. كما قامت المملكة بفرض حظر على جميع الواردات اللبنانية في تصعيد هو الأعنف والأخطر من نوعه في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الأمر الذي من شأنه أن يشكّل خسارة فادحة ويفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً إذ أن قيمة صادرات لبنان السنوية إلى المملكة السعودية وحدها تتجاوز الـ 250 مليون دولار، ضمنها 20 مليون دولار من نصيب قطاع تصدير الخضار والفاكهة.
مما لا شك فيه أن الأزمة تتخطى تصريح وزير ويتخوف من توجّه المسار إلى قطيعة دبلوماسية وسياسية واقتصادية لتحمل هذه الاجراءات في هذا التوقيت الحرج من الاهتزاز السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي يمر فيه لبنان تداعيات سلبية على الوضع الاقتصادي وعلى كل الجهود والمحاولات التي تبذل من أجل إعادة إصلاح العلاقات مع الدول الخليجية واكتساب ثقة المجتمع العربي والدولي للحصول على المساعدات المالية المطلوبة لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد المتداعي والمنهار. فلبنان الغارق في أزماته اللامتناهية والمتعددة الأبعاد يجد نفسه مجدّداً ضحية الصراعات الإقليمية لتأتي الأزمة الدبلوماسية وتضعه في مهب العزلة العربية وتفاقم من وحدته ومعاناته، فهو لا يستطيع النهوض من محنته والسير قدماً نحو التعافي من دون دعم عربي ودولي فمن يتحمل مسؤولية تردي العلاقات اللبنانية-الخليجية وتوقف الاستثمارات والمساعدات المالية وتدهور مصالح اللبنانيين في دول الخليج العربي الذين يشكلون مدماك دعم لعائلاتهم في ظل أسوأ ازمة تعصف بوطنهم الأم؟
بعد مرور أقل من شهرين على التأليف، وقعت الحكومة التي لم تستطع الإنعقاد سوى ثلاث مرات فقط في فخ المستنقعات السياسية والتناحرات الاقليمية لتشكّل تهديداً صريحاً ومباشراً لوجودها واستمرارها . ويمكن القول أنها خيّبت الآمال المعلّقة عليها في إدارة الأزمة ولم تستطع أن تكون بحجم التحديات الكبيرة ، كما أنها عجزت عن القيام بالخطوات الإصلاحية الضرورية وفشلت في الإيفاء بوعودها الانقاذية. فحكومة الإنقاذ التي شُكلت من أجل لجم الإنهيار الاقتصادي ومعالجة هموم المواطنين لم تكن أهلاً لإنقاذ بلد يعاني وشعب يُحتضر وتحتاج إلى من يعالج أزمتها وينقذها من فشل حتمي. وها هي اليوم، تقف أمام منعطف خطير وتواجه اختباراً صعباً أمام المجتمع الداخلي والخارجي بعد أن وُضعت الثقة العربية على المحك، لتقف الخلافات التي عصفت بين مكوناتها عائقاً أمام جميع الامكانيات والحلول المتاحة مهدّة وجود وكينونة لبنان.
من هنا، على الجميع أن يُدرك أن أي إخفاق حكومي سوف يُدخل لبنان مجدداً في دوامة من الانهيار والفراغ هو بغنى عنها وسيزيد من أعبائه ويفاقم من مشاكل مواطنيه ومآسيهم المتراكمة. فهل ستنجح الحكومة في إخراج لبنان من هذه المحنة أم أنّ انعدام الحلول سيكون سيّد الموقف كما في كل مرّة، فتكون الأزمة الدبلوماسية اللّغم الذي يفجّر الحكومة ويطيح معه جميع المساعي الرّامية إلى إنقاذ لبنان؟
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.