إنّ أقسى ما يمكن أن نمرّ به هو أن نفقد ما نحبّ... هي أحبّته كما لو أنه الوحيد في هذا العالم. كم خافت أن تفقده، هو الذي رسم ألوان حياتها، هو من بنى لها ذكرياتها وأحلامها وأمنياتها؛ منه يشعّ بريق عينيها وإليه يمتدّ ذاك الحنين في ابتسامتها. أزهرت سعادتها في أرضه الدافئة، كم صلّت أن يبقى، كم ستبقى تصلي إلى أن يعود... وطناً سعيدأ لها.
أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي للسعادة في 20 آذار من كلّ عام، وبهذه المناسبة تصدر تقريرها السنوي الخاصّ المتعلق بقياس مؤشرات السعادة في أكثر من 150 دولة في العالم. هذا العام، أظهر التقرير أنّ لبنان يأتي في المرتبة ما قبل الأخيرة من حيث السعادة، أي أنه ثاني أتعس بلد في العالم. لطالما عُرف اللبنانيون بحبّ الحياة، والشجاعة، والصمود، والقدرة على خلق الأمل من عمق الألم ... هذه المرة تمّ سلب وطنهم بكلّ ما فيه، وهم الآن يفقدون سعادتهم.
إنّ تحقيق السعادة هو الهدف الأسمى لجميع الأفراد وفي كلّ المجتمعات. لقد درس علماء النفس السعادة، وصنّفوها كأحد ركائز الصحة النفسية، واعتبروها خبرة ذاتية تختلف من فرد إلى آخر، يرتبط تحقيقها بالإشباع البيولوجي والنفسي والإجتماعي. ويمكن تعريف السعادة على أنها "حالة نفسية إنفعالية، تتضمّن مشاعر إيجابية وممتعة تتراوح من الرضا إلى الفرح الشديد، وترتبط بشكل وثيق بكلّ من الرضا عن الحياة والهناء الشخصي والإزدهار والرفاهية".
يمكن وصف الأشخاص السعداء بأنهم أكثر اعتدالاً من الناحية المزاجية، وأكثر سروراً وبهجة، وأكثر استمتاعاً ورضاً بحياتهم، كما أنهم أكثر طمأنينة وإنتاجية وتحقيقاً لذواتهم، وهم يتذكرون بكثرة الأحداث السعيدة التي تحدث لهم في حياتهم، ويتميّزون بسمات معيّنة في الشخصية مثل الإنبساط والضبط الداخلي وغياب الصراعات الداخلية والقدرة على التنظيم والفاعلية الذاتية والإبداع والنضج والتديّن. ويمكن تفسير السعادة من جانبين: السعادة باعتبارها سمة trait والسعادة باعتبارها حالة state. ويتميّز الأفراد ذوو الدرجات المرتفعة على سمة السعادة بالشعور بالإطمئنان، والنشاط والحيوية، والنظرة الإيجابية للحياة، والعلاقات الناجحة، والقدرة على الإستمتاع بالوقت؛ أما السعادة كحالة، فتعبّر عن الحالة الإنفعالية التي يشعر بها الأفراد والتي يعبّرون عنها بطريقتهم الخاصة في مواقف معيّنة.
لا شك أنّ الضغوط الحياتية، والإحباطات، ومصادر التهديد وعوامل الخطر تؤثر سلباً على شعور الفرد بالسعادة. وبالرغم من أنه يمكن اكتساب السعادة من خلال الأساليب والطرق التي حدّدها علماء النفس الإيجابي بهدف الحفاظ على السعادة وتعزيزها، إلا أنه يجب التعامل بواقعية مع ما يمرّ به المجتمع اللبناني من تعاسة، ومع ما يشعر به اللبنانيون من انهيار لمقوّمات السعادة لديهم. لذلك، نقدّم فيما يلي بعض الأساليب التي يمكن أن تساعد في هذا المجال:
-
الشعور بالإمتنان للنعم المتوافرة.
-
تعزيز قيم الإيمان والخير والمحبّة.
-
الإعتراف باللحظات والأوقات غير السعيدة باعتبارها جزءاً من الحياة.
-
الحفاظ على العادات الجيّدة والهوايات.
-
إتباع نمط حياة صحي (الغذاء ، النوم ، الرياضة).
-
الرعاية الذاتية والإهتمام بالصحة.
-
إقامة علاقات إجتماعية سليمة.
-
وضع أهداف واقعية مناسبة قابلة للتنفيذ.
-
القيام بعمل مفيد بشكل يومي.
-
التدريب على الحديث الإيجابي مع الذات.
-
عدم الإفراط في استخدام التكنولوجيا وتمضية وقت أكبر في الطبيعة.
-
التعامل الفعال والمباشر مع مصادر الضغط النفسي.
قد يرى الكثيرون أنّ الطريق إلى السعادة طويل وشائك أو مسدود، بل وقد يعترضون بسخرية على إمكانية خلق سعادة في بلد لم يعُد سعيداً. إلا أننا حالياً لا نملك رفاهية الإختيار: إما الجهاد في سبيل سعادتنا أو الإستسلام لمن سلبها منا. الأرجح أننا لن نستسلم ... لأننا نستحق أن نكون سعداء حتى لو بابتسامة، بكلمة طيّبة، بذكرى محفورة في البال!
الدكتورة هلغا عمر علاء الدين - قسم علم النفس - جامعة بيروت العربية
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.