كتب بهيج الخطيب
بعد تعطيل للعمل الحكومي تخطى الثلاثة أشهر أطلت علينا حكومة معاً للإنقاذ بمشروع الموازنة لما تبقى من العام 2022، الذي كان ينتظره اللبنانيون بفارغ الصبر، علّه يحمل بوادر الإنقاذ الموعود، وتخليص اللبنانيين من الهوّة التي دفعتهم اليها الطبقة السياسية الحاكمة منذ 1975.
ولكن المفاجأة المخيِّبة للآمال كانت في فذلكة الموازنة وفي تركيبتها، فمن المعروف أن فذلكة الموازنة تقوم على ركنيْن أساسييْن:
الركن الأول: إقتصادي قوامه تحفيز معدلات النمو بهدف رفع مستوى دخل الفرد وبالتالي تحقيق الرفاهية للمواطنين وتخصيص جزء من النفقات للإنفاق الإستثماري لتكبير الاقتصاد.
الركن الثاني: إجتماعي يعمل على إعادة توزيع الثروة، وبالتالي دعم الطبقات المحدودة الدخل من فوائض مداخيل الطبقات الغنية.
إلا أن مشروع الموازنة الحالي لا يراعي هذين الركنين بتاتاً، وهو في الواقع ليس إلا مطابقة لأرقام الإيرادات مع أرقام النفقات على أساس حسابي فقط دون هدف، وهذا يعيدنا الى حسابات الدكان في قريتنا الصغيرة، كما أنه لا يتضمن أي مبلغ للإنفاق الاستثماري الذي يحفّز النمو. أما القيمة الفعلية للنفقات المقدّرة بحوالي 50 تريليون ليرة لبنانية، فهي لا تتجاوز 2.5 مليار دولار اميركي على أساس السعر الفعلي للدولار في سوق بيروت في الوقت الراهن، والذي يقدَّر بأحسن الأحوال بـ 20 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد. وإذا ما قورن هذا الرقم بحجم الموازنة بالعام 2019، فنجد أنه لا يتجاوز الربع وذلك يعني أن مستوى الدخل في لبنان انخفض في أقل من سنتين الى الربع.
ماذا الذي يعنيه كل ذلك؟
بكل بساطة وواقعية يعني ذلك أن هذه الموازنة لا تتضمّن أي خطة إصلاحية تتماشى مع تطلعات اللبنانيين، الذين انتفضوا في تشرين أول 2019، على هذه الطغمة الفاسدة التي تتحكّم برقابهم منذ بدايات الحرب الأهلية في 1975.
كما أنها لا تلاقي توجهات صندوق النقد الدولي الذي يسعى لمدّ يد العون لبلدنا لإنقاذه من المستنقع الذي أغرقته فيه هذه الطبقة السياسية، والتي تصرّ على عدم التخلي عن مكاسبها مهما كلّف الأمر. والدليل على ما ورد هو تركيبة الحكومة التي تتلطّى الطغمة الحاكمة وراءها من خلال وزراء ظاهرهم إختصاصيون، ولكنهم في الواقع تابعون لهذه المنظومة الحاكمة. فعلى سبيل المثال، هل يستطيع وزير المالية الصديق د. يوسف الخليل، العمل بموجب قناعاته العلمية ونظافة كفّه وكفاءته، إدخال بنود إصلاحية على الموازنة سواء على جانب النفقات أم الايرادات، قد تتنافى مع مصالح الجهة التي أصرّت على توزره ممثِّلاً لها؟! بمعنى آخر وبالتحديد هل قارب وزير المالية موضوع الغاء الصناديق والمجالس والهيئات والوزارات التي تشكل اهم أسباب الهدر في دولتنا العليّة؟! وكذلك إلغاء تعويضات النواب السابقين ووقف الانفاق على الجمعيات الخيرية الوهمية وإنشاء مجمّعات حكومية في العاصمة، وعواصم المحافظات للإستغناء عن إيجارات المباني الحكومية، وإعادة هيكلة القطاع العام بما فيه القطاع التعليمي الرسمي والقطاع الصحي، والمؤسسات المعطّلة وإصلاح نظام التقاعد والحماية الاجتماعية وإقرار خطط النقل العام والطبابة والإسكان والتعليم لدعم ذوي الدخل المحدود والموظفين ومعالجة مسألة الأملاك البحرية وغيرها!
لاشك أن ما يسري على جهة معينة من الجهات الحاكمة ينطبق على بقية الجهات حيث أنهم جميعهم شركاء في تقاسم الجبنة التي كان يحذر منها الرئيس اللواء فؤاد شهاب! ان ما ينطبق على الوزير الخليل يسري على كافة الوزراء، فالمسألة ليست نظافة كف هذا الوزير أم ذلك إنما المسألة هي أن هذه الطغمة السياسية الفاسدة لا يمكن أن تتنازل عن مكامن قوتها وعن مصادر هذه القوة، وهذا هو التحالف ما بين المال والسلطة ولعل معضلة كهرباء لبنان هي خير دليل على ما نقول، وفي ظل هكذا مجموعات حاكمة، متحالفة على مص دماء شعبنا فإن من السذاجة بمكان، الاعتقاد أنه يمكن إقرار موازنة إصلاحية.
ونلاحظ ايضاً أن تفويض وزير المالية صلاحيات تشريعية لها قوة القانون في مجال الضريبة، يشكِّل خطوة غير ميثاقية اطلاقاً تهدف الى الوصول الى فدرالية مالية، لأننا عندما نكرِّس التوقيع الثالث لطائفة معينة يعني ذلك اقامة فدرالية مقنعة مسيحية سنية شيعية.
كما ان الدستور يسمح باصدار مراسيم تشريعية لها قوة القانون لمجلس الوزراء مجتمعاً، وليس لوزير يمثل طائفة معينة أياً كانت هذه الطائفة، اضافة الى ان ليس هناك اصلاح حقيقي في الموازنة، يهدف الى تحقيق العدالة بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة، في بلد مثل لبنان وهيكليته الاقتصادية، فالضرائب المباشرة توازي تقريباً الضرائب غير المباشرة، بينما في لبنان تبلغ الضرائب المباشرة فقط 25 في المئة، مقابل 75 في المئة للضرائب غير المباشرة، وهذا يؤدي ال تشوه ضريبي ملحوظ.
أما عن العجز المقدّر فحدِّث ولا حرج فكيف يمكن أن تُقَرّ موازنة بعجز قد يصل الى 30 في المئة من حجم النفقات مع ما سيرتّبه ذلك من زيادة في الاستدانة التي تتناقض مع رؤية الحكومة لتصفير عجز الموازنة، حتى لو أدى ذلك الى انكماش في الاقتصاد في السنوات الأولى من الخطة الاصلاحية.
لذلك فالج لا تعالج ومن جرّب مجرّب كان عقله مخرّب.
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.