قراءة نقدية هادئة في الورقة الإصلاحية

خصّص موقع بزنس إيكوز لأخبار الاقتصاد والتكنولوجيا، حديثاً مع المستشار المصرفي بهيج الخطيب، بشأن الأوضاع الراهنة في لبنان التي نتجت عن التظاهرات التي تشهدها البلاد، وسأله عن قراءته لورقة الاجراءات الاصلاحية والاقتصادية والمالية حيث لخّصناها بما يلي:

1- في إعداد الورقة الإصلاحية:
بما أن المسألة لا تحتمل التباطؤ بسبب الضغط الشعبي كان يفترض برئيس البلاد أن يدعو الى تأليف لجنة من كبار الإقتصاديين في لبنان تضم خبيرين في الإقتصاد واستاذ جامعي ومصرفي ورئيس المجلس الإقتصادي الإجتماعي، بالإضافة طبعاً الى وزيري الإقتصاد والمالية، وتنكب خلال ثلاثة أيام على وضع الخطة الإصلاحية، التي تتضمن ثلاث مراحل قصيرة، متوسطة وطويلة الأجل للإصلاح.
ما لنا ولهذا التمني الذي أصبح وراءنا.
 
2- إن أهم ما في إطلالة الرئيس الحريري اليوم هو إقرار موازنة 2020 بدون عجز (أي تصفير العجز). ولكن في الواقع ان هذا التصفير المعجزة تم الوصول اليه من خلال تخفيف الكثير من بنود الإنفاق اي (cut expenses). وهنا يجب التساؤل:
هل هذا التخفيف هو لسنة 2020 فقط ام دائم؟
ان التقيييم الموضوعي للموازنة يتوقف على الجواب على التساؤل أعلاه.
وفي راينا ان هذا التساؤل مشروعٌ، لأن في الموازنة استثناءً، يرتبط بمدى الحاجة الى اقرار نفقات غير ملحوظة خلال السنة القادمة مما يفرغ عملية التصفير من مضمونه ويؤدي الى زيادة العجز.

3- وفي المقابل كان لا بد من الإتجاه نحو اجراءات جديدة على جانب الإيرادات غير الضريبية وعلى جانب النفقات غير المجدية مثل الجمعيات الخيرية. والأهم الغاء مخصصات وتعويضات النواب السابقين قبل اي أمر آخر، فبالله عليكم لماذا يتوجب على اللبنانيين أن يتحملوا تعويضات النائب السابق الذي ينتخب لمرة واحدة أو حتى أكثر، وذلك على امتداد عمره ومن بعده زوجته ثم أولاده...؟؟
هل هناك من بدعة أسوأ من هذه البدعة؟ هذا مع العلم ان معظم النواب هم إما محامون أو أطباء أو مهندسون أو رجال أعمال أو ضباط متقاعدون وغيرهم.

4- إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة
ان هذا هو أكبر كذبة في تاريخ لبنان وقد اقترحه وأصر عليه الوزير جبران باسيل الى جانب قانون رفع السرية المصلافية لكي يكبر حجم حجر الإصلاح، بهدف عدم القدرة على حمله، مما يؤدي الى فشل المشروع. ومن البديهي والمعروف ان قصة البواخر المنتجة للطاقة ومشتقات النفط والنفايات هي اكبر براهين على صحة ما نستنتج.
ان قانون استعادة الأموال المنهوبة هو نكتة سمجة لا يستسيغها أحد على الإطلاق، لأن جميع المسؤولين متورطون في هذه المسألة. وهذا القانون اذا ما أُقر سوف يكون نسخة مشوهة عن قانون محاكمة الرؤساء والوزراء، فالذي يحمل في طياته ذرائع عدم امكانية تطبيقه واسباب دفنه قبل ان يولد.

5- رفع السرية المصرفية عن الوزراء.
هذه نكتة سمجة أخرى، فمن من الأشخاص الذين يسعون لتبوّء مناصب سياسية في هذا البلد يترك أمواله المشكوك في صحة مصدرها في لبنان؟ ان هذا القانون هو هراء وهرطقة سياسية لا يمكن التسليم بها.

6- خصخصة قطاع الإتصالات الخلوية وتشركة القطاع الخاص في بعض المؤسسات العامة.
انه عنوان فضفاض لمشروع بالغ الأهمية ويفتح الشهية لصفقات جرى ما يماثلها في الدول التي كانت تنتهج الإشتراكية، حيث تم بيع الكثير من المشاريع المملوكة من القطاع العام بأبخس الأسعار، من خلال صفقات مشبوهة ولم يستطع أحد محاسبة أحد على هذه الصفقات.

7- الضريبة على القيمة المضافة
ان إلغاء التدرج التصاعدي وفقاً للشرائح المرتبطة بالسلع الكمالية والفاخرة المستوردة، يكرّس العجز في الميزان التجاري لا بل يساعد على زيادته، وهو مكمن الخطر على استقرار سعر صرف العملة الوطنية وعلى الصناعة الوطنية في آن معاً، ذلك لأن بلداً مثل لبنان لا يتجاوز حجم ناتجه المحلي ال 50 مليار دولار، لا يجوز بأي منطق أن يستورد بما قيمته ال 20 مليار دولار سنوياً اي 40% من حجم هذا الناتج. ويما أن التدفقات الداخلة التي كانت تساعد على امتصاص هذا العجز وتخفف من خطورته، أخذت في التراجع مؤخراً ويبدو أنها ما تزال في هذا الإتجاه لا بل بالعكس فهناك موجة من التحويلات الى الخارج، وبالتالي سيؤدي ذلك الى تزايد الضغوط على سعر صرف الليرة وهو ما يهدد الإستقرار النقدي.

8- كيف ستطبّقون قانون ضمان الشيخوخة وأنتم عاجزون عن تسديد الإشتراكات المترتبة على الدولة اللبنانية للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي منذ سنوات طويلة وهي تبلغ آلاف مليارات الليرات!
انها فعلاً قمة السخرية والإستخفاف بعقول الناس.

9- الغاء الصناديق والوزارات وبعض المؤسسات العامة.
هل تم التفاهم فيما بين القوى السياسية على ذلك؟ ومتى سوف تلغى، ووفق أية آليات، وما هي النتائج الإجتماعية المترتبة على وقف عمل الموظفين فيها، وبأي أكلاف، وألف سؤال وسؤال؟؟

10- انشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد
هل هناك من يصدق هذه الخبرية.

11- ما هو دور مجلس الخدمة المدنية والهيئات الرقابية والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة وادارة المناقصات في كل ما ورد من بنود إصلاحية.

اما ما لم تتطرق اليه هذه الورقة فهو:

1. استيراد الدولة المباشر للمواد الإستراتيجية مثل القمح والنفط.
2. توحيد الجهات الطبية الضامنة.
3. اصلاح النظام التعليمي والجامعة اللبنانية
4. إنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء قبل التلزيمات
5. اصلاح النظام الضريبي
6. اعادة هيكلة القطاع العام
7. معالجة مشكلة المباني الحكومية المستأجرة
8. التدقيق في أوضاع الجمعيات التي لا تبغي الربح بهدف الحد من دعمها.
9. فصل النيابة عن الوزارة

إذاً الخلاصة، ان هذه الورقة الإصلاحية غير جدية ويصعب تطبيقها وستفشِّلها معظم الجهات التي وافقت على بنودها بسبب مرض انفصام الشخصية لدى هذه الطبقة السياسية الحاكمة.

الحلول المقترحة:

1.  تشكيل حكومة اختصاصيين محايدة انتقالية وقد تكون برئاسة الرئيس الحريري المكون السني الأكبر في البلد.
2. منح الحكومة المقترحة صلاحية إصدار مراسيم تشريعية تتمتع بقوة القانون لإقرار الإصلاحات التي تعتمدها خلال المرحلة الإنتقالية.
3. تعديل القانون الإنتخاب بغية تنقيته من شوائب القانون الأرثوذكسي السيء الذكر.
4. الدعوة بعد ذلك الى انتخابات نيابية مبكرة وبذلك نكون قد اقتربنا من موعد انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، ونأمل بذلك الإنتقال الى الجمهورية الثالثة.

باسل الخطيب لموقع بزنس إيكوز
[email protected]

نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.