بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على قرار مجلس النواب بالسماح لمصرف لبنان بالتداول بفئتي المليون ليرة والخمسماية ألف، زادت التساؤلات حول أسباب وخلفيات تأخّر طباعة وطرح هاتين الفئتين في الأسواق، حيث لم يسمع اللبنانيون أي جديد بشأن هذا الموضوع.
ولكن من الضروري توضيح بعض النقاط المسلمات المرتبطة بهذا الموضوع:
أولاً- تتراوح الفترة التي تحتاجها طباعة أي عملة جديدة بين ستة أشهر، (طباعة فقط) وسنة (تصميم وطباعة). وهذا الأمر يتعلق بروزنامة المطابع المتخصصة التي تتولى هذا النوع من العمليات.
ثانياً- إن قرار بدء التداول بأي فئة جديدة من العملات يرتبط بالتوقيت الذي يختاره البنك المركزي، المسؤول عن سلامة النقد. وهذا يعني أن المسألة لا تتعلق بموعد إنجاز الطباعة، بل بالظروف التي يقرّر مصرف لبنان أنها أصبحت مناسبة للبدء في التداول بفئتي المليون، ونصف المليون.
ثالثاً- إن الهدف من الفئات الجديدة يرتبط بتسهيل التعامل بالليرة، بعدما أصبحت قيمتها متدنية، ولم يعد متاحًا حمل كميات كبيرة من الورق في الجيوب. كما تساهم الفئات الجديدة في تسهيل إلغاء فئات صغيرة باتت طباعتها تكلّف أكثر من قيمتها الحقيقية.
رابعاً- عندما سيتمّ إنزال الفئتين الجديدتين إلى الأسواق، سيزداد الطلب على الليرة في التداولات اليومية التي تكاد تكون محصورة اليوم بالدولار بسبب سهولة حمله. وقد لا يكون ذلك مفيدًا اليوم، في ظل أزمة شح الليرة، وارتفاع أسعار الفوائد بين المصارف من جديد. وفي هذا السياق، تفيد المعلومات بأن تنسيقًا يجري اليوم بين وزارة المالية ومصرف لبنان، لتأمين ضخ كميات من السيولة الإضافية بالليرة، لتخفيف الضغط على الليرة، وتكبير حجم الكتلة النقدية بنسبة محدّدة، مع الحفاظ على ثبات سعر الصرف القائم.
وهذه المعطيات تعني أن التداول بفئة المليون ليرة، قد يتأجّل، بصرف النظر عن إنجاز الطباعة. وليس مستبعدًا أن يتمّ الربط بين بدء التداول وإنجاز خطة التعافي، بعد إقرار قانون الفجوة المالية، خصوصًا أن الانتقال إلى مرحلة جديدة، يقدّر البعض أنها ستبدأ مع بداية العام 2026، قد يقود إلى إصلاحات نقدية تواكب الإصلاح المالي والاقتصادي.
وبما أن "موجة" حذف الأصفار ناشطة في هذه الفترة، بدءًا بإيران التي تنوي حذف أربعة أصفار من عملتها، وصولًا إلى سوريا التي ستكتفي بحذف صفرين، قد يلجأ لبنان إلى واحد من ثلاثة حلول: حذف أصفار من العملة الوطنية، إنزال نقد من فئات جديدة، (10 ملايين مثلًا) وإلغاء فئات صغيرة متداولة حاليًا، أو إنزال عملة جديدة تحل مكان الليرة. كل هذه الاحتمالات واردة، خصوصًا أن احتمال ارتفاع قيمة النقد الوطني مجددًا مقابل الدولار والعملات الأخرى مستبعد جدً، لاعتبارات عدة، ليس أقلها أن مصلحة مالية الدولة (الديون بالليرة) تقضي ببقاء الليرة على سعرها، وكذلك الاقتصاد الوطني يحتاج إلى استمرار الاستقرار. وهذا يعني أن سعر الصرف سيبقى على حاله، إذا لم تحصل مفاجآت من خارج السياق الطبيعي القائم اليوم.
أنطوان فرح - نداء الوطن