في خضمّ السباق المتسارع بين الصين والولايات المتحدة على قيادة المشهد التكنولوجي العالمي، برزت مدينة هانغتشو الصينية كأحد أهم مراكز الذكاء الاصطناعي في آسيا، حيث باتت توصف بـ"وادي السيليكون الصيني".
فخلال السنوات الأخيرة، تحوّلت هذه المدينة الهادئة الواقعة في جنوب الصين، إلى بيئة حاضنة للشركات الناشئة والمواهب التقنية، ومركزاً لجنون الذكاء الاصطناعي في البلاد، وكل ذلك بدعم من الإعانات والإعفاءات الضريبية، التي بدأت بتقديمها السلطات الصينية منذ عقد من الزمن.
وتشهد هانغتشو نهضة لا تهدأ، حيث يُنظر إليها اليوم كأرض خصبة لتجربة النماذج الأولية للذكاء الاصطناعي، والتطبيقات المدعومة بهذه التكنولوجيا، خصوصاً أن المدينة تعتبر موطناً لعملاق التكنولوجيا علي بابا، ومركزاً صاعداً لشركة DeepSeek، كما أن هانغتشو تحتضن العديد من المقرات الرئيسية لقوى تكنولوجية ناشئة أبصرت النور في المدينة مثل Game Science ويونيتري وروكيد وMindverse وNetEase وHikvision وغيرها الكثير.
نمور هانغتشو الستة
وتحوّلت هانغتشو إلى مصنع حقيقيّ لعقول الذكاء الاصطناعي، يدفع بروّاد الأعمال من بكين وشانغهاي وشنجن إلى السفر خلال عطلات نهاية الأسبوع إلى المدينة، للظفر بمبرمج عبقري أو شريك تقني يؤسس معهم شركتهم التالية.
وتُعدّ شركة DeepSeek واحدة من بين ست شركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، انطلقت من مدينة هانغتشو، وقد باتت هذه الشركات تُعرف في وسائل الإعلام الصينية باسم "نمور هانغتشو الستة".
وتضم مجموعة "النمور الستة"، أيضاً شركة Game Science، التي حققت إنجازاً غير مسبوق بإطلاق أول لعبة فيديو صينية ضخمة الإنتاج تنال شهرة عالمية، وهي Black Myth: Wukong.
كما برزت شركة Unitree التي جذبت الانتباه في يناير 2025، عندما ظهرت روبوتاتها وهي ترقص على المسرح خلال احتفال جماهيري بُث على التلفزيون.
وهناك أيضاً شركة BrainCo التي تطوّر تقنيات تمكّن الدماغ من التحكم بالأجهزة مباشرة، وشركة DEEP Robotics التي تركز على تصنيع روبوتات للمهام الصناعية في البيئات القاسية، إلى جانب شركة ManyCore Technology التي تطوّر حلولاً ثلاثية الأبعاد في مجال الذكاء المكاني.
لماذا ينجذب المستثمرون إلى هانغتشو؟
ويقول رئيس "تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني علي محمود العبد الله، إن ما نشهده اليوم في هانغتشو ليس مجرد نمو طبيعي لقطاع ناشئ، بل هو تحوّل استراتيجي لمدينة صينية، إلى مركز ثقل عالمي في الذكاء الاصطناعي، فهانغتشو التي كانت تعرف سابقاً بجمال بحيرتها وعمقها الثقافي، أصبحت الآن تُعرف أيضاً باسم "وادي السيليكون الصيني"، وهو توصيف لم يأتِ من فراغ، مشيراً إلى أن هذا التحوّل تحقق بعد أن تبنّت السلطات الصينية خلال العقد الأخير، استراتيجية حازمة لتحويل هانغتشو إلى مركز للشركات الناشئة، من خلال توفير الإعفاءات الضريبية ومساحات مكتبية بأسعار مدعومة ودعم البحث والتطوير، حيث أن جميع هذه العناصر شكّلت بيئة خصبة لنمو مئات الشركات في وقت قياسي.
وبحسب العبد الله فإن هناك أربعة عناصر أساسية تجعل من هانغتشو وجهةً مغرية لرواد الأعمال والمستثمرين، وهي:
- القرب من عمالقة التكنولوجيا: تضم هانغتشو مقرات رئيسية لعمالقة التكنولوجيا مثل علي بابا وDeepSeek ما يوفّر بيئة تعليمية وعملية للشركات الصغيرة، التي تستفيد من النظام البيئي الضخم المحيط بها.
- الجامعات الرائدة: تضم هانغتشو جامعة تشجيانغ التي تُعد من أفضل الجامعات في الصين، وتوفّر سنوياً دفعات من المهندسين والعلماء في مجالات الذكاء الاصطناعي، علوم البيانات، والروبوتات.
- تكاليف معيشة منخفضة نسبياً: بالمقارنة مع بكين أو شنغهاي، تقدّم هانغتشو مستوى معيشة جيد بتكلفة أقل، ما يجعلها جذابة للمبرمجين والمهندسين الشباب.
- سياسات داعمة من الدولة: تعمل السلطات المحلية في هانغتشو كمُسرّع للأعمال، ما يُسهّل على مؤسسي الشركات الوصول إلى المستثمرين، حتى من داخل النخبة المالية.
هل تستحق لقب "وادي السيليكون"؟
ويؤكد العبد الله أن مدينة هانغتشو الصينية تستحق بالفعل لقب "وادي السيليكون الصيني"، ليس فقط كتشبيه إعلامي، بل لأنّها تملك مقومات واقعية تجعلها تنافس وادي السيليكون الأميركي، والملفت أكثر في "وادي السيليكون الصيني" هو ظهور قصص نجاح محلية تحاكي طموحات عالمية مثل الشركات التي يُطلق عليها وصف "نمور هانغتشو الستة"، ومن ضمنها شركة DeepSeek للذكاء الاصطناعي والتي باتت حديث العالم أجمع في الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أن التنوع في تخصصات الشركات التقنية الموجودة في هانغتشو من الألعاب والتسلية مروراً بالصناعات الثقيلة وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، يُظهر أن المدينة الصينية لم تعد مجرّد داعم للابتكار، بل أصبحت مركزاً تصديريّاً للحلول التقنية وخصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي.
المصدر: اقتصاد سكاي نيوز عربية