تضمّنت الندوة جلستين متتاليتين بإدارة الخبيرة في القطاع التربوي والتعليمي، رغدة قواس، التي افتتحت الندوة بالإشارة إلى "أنّ المناهج التربوية في لبنان لم تتطور ولم تتكيف لتتناسب مع طموحات الأجيال الجديدة والتطورات الكبيرة على الصعيدَين التكنولوجي والعلمي في العالم. كما أنّ تدهور الوضعَين الاقتصادي والسياسي المحلي أدى إلى تراجع المستوى الأكاديمي والعلمي والتربوي في الجامعة اللبنانية، والمدارس والثانويات الرسمية كافة. ولم يكن الوضع أحسن حالًا في القطاع الخاص." ولفتت قواس إلى أنّ "البنك الدولي في العام 2021 توقع في مؤشر رأس المال البشري أنّ الطلاب اللبنانيين، على الرغم من أنّهم يقضون ما يقرب من عشر سنوات في الدراسة، يبلغ التعلم الفعال عندهم نحو ست سنوات وربع، ما يضع لبنان تحت متوسط الشرق الأوسط البالغ ثماني سنوات تقريبًا." وأكّدت أنّ "القطاع الصحي لحق بالقطاع التربوي بسبب نقص الموارد البشرية والمالية الذي أثر سلبًا على الأبحاث العلمية." وأنّ "سياسات الإنقاذ لوزاتي التربية والصحة لم تؤتِ ثمارها لأسباب عدّة منها ما يتعلق بغياب السياسات الصحيحة، ومنها ما يتعلق بآليات التنفيذ، ومنها ما يتعلق بالفساد العام." وختمت رغدة قواس كلمتها بالتشديد على أهمية الارتباط الوثيق بين القطاعين التربوي والصحي وكيفية حمايتهما، إذ إنّ الممر الطبيعي لموظفي القطاع الصحي يمر بالتربية العلمية المختصّة والدراسات والأبحاث العلمية المكثفة."
دارت الجلسة الأولى حول القطاع التربوي، حيث تحدث الزميل المشارك في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور عدنان الأمين، الذي عدّد الملامح العامة للسياسات التربوية منذ الاستقلال إلى ما بعد العام 2019 مرورًا بتحوّلات ما بعد الطائف، ثم استعرض أفاق التغيير معتبرًا أن "من الصعب التخطيط للمستقبل إذا لم يكن لدى الفاعلين القدرة على التحكم بالعوامل الفاعلة، مثل التاريخ والجغرافيا. لذلك يبدو الكلام عن الإصلاح التربوي أحياناً كأنه ثرثرة مضجرة. لكن هناك عوامل أخرى "محصلة أو منجزة" يمكن المراهنة عليها من أجل إحداث التغيير في المستقبل مثل حيوية المجتمع وقوته، والرصيد التربوي، وحرية التعبير والحرية الأكاديمية، وقوى التغيير، بمن فيهم المقيمون في الخارج. كما أنّ التفكير بالمستقبل ليس مسألة هندسية، فالمستقبل تصنعه قوى اجتماعية."
ثم كانت مداخلة لحنين السيّد، وهي باحثة رئيسية في مركز مالكوم كيركارنيغي للشرق الأوسط، أشارت فيها إلى "أنّ كثيرًا من دول المنطقة ومنها لبنان، اعتمدت الأسلوب البنيوي كبناء المدارس وتعيين الأساتذة، وهذا غير كافٍ، إذ يجب اعتماد معيار الحوافز لكل من العاملين في القطاع التربوي، بالإضاقة إلى توفر مبدأ المحاسبة. كما أنّ الكثير من الدول تعتمد أسلوب الاستقلالية للمدارس، سواء بالتعليم أم بالمال أم بالتعاطي مع المجتمع. في لبنان القطاع الخاص مستقل نوعًا ما، هنالك تجارب جيدة بإمكان قطاع التعليم الرسمي الاستفادة منها، وبإمكان الدولة اعتماد اسلوب اللامركزية أو استقلالية المدارس الرسمية، والاستفادة من تجارب المدارس الخاصة، وفي هذه الحال طبعًا يجب أن يكون هنالك شركاء لمراقبة هذه المدارس ومساعدتها."
أما وزير التربية عباس الحلبي فلفت في مداخلته إلى "أنّ عنصرَي الصحة والتعليم هما عنصران أساسيان يقوم عليهما المجتمع، ولبنان دفع ضريبة كبيرة جدًّا بسبب الأزمة التي ضربت القطاعين." واعتبر الحلبي "أنّ المشهد التربوي في لبنان ليس بحالة انهيار كامل، لكنه دفع ثمنًا غاليًا بسبب تراكم الأزمات، ولا يوجد جهد تشريعي يواكب عملية تطور العملية التربوية، فمثلًا قانون الجودة لا نعلم أين أصبح النقاش به، ولا توجد في وزارة التربية هيكلية للمديرية العامّة للتعليم العالي، ولا يوجد مجلس تعليم عالٍ. كذلك فإنّ صلاحية الوزارة في التعليم الخاص محدودة جدًّا." واشتكى الوزير من تراجع عدد الطلاب في الجامعة اللبنانية وفي المدارس والثانويات الرسمية مشيرًا إلى "أنّ الوضع لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه." وفي ما خصّ مناهج التعليم ذكّر الحلبي بالتعديل الذي حصل في العام 1997 وبأنّ وزارته أطلقت برنامج تطوير المناهج للتعليم ما قبل الجامعي.
القطاع الصحّي شكّل محور الجلسة الثانية، فكانت كلمة للدكتور جوزيف عتيّق، مدير المركز الطبّي في الجامعة الأميركية في بيروت، تحت عنوان "القطاع الصحي في لبنان خلال الأزمة: ثقة لا تتزعزع"، اعتبر فيها أنّ النهج المتّبع في قطاع الرعاية الصحية في لبنان كان مختلفًا تمامًا عن الدول التي شهدت انهيارات اقتصادية، وتمكن من الحفاظ على ثقة المرضى وجودة الخدمات. فاتفقت المستشفيات وشركات التأمين على تخفيض الأسعار بشكل كبير لضمان استمرار الخدمات المتاحة، وواصل الموردون استيراد البضائع، تحت مظلة إعانات البنك المركزي، مدركين جيدًا أن مخاطر عدم الدفع في الوقت المناسب من قبل البنك المركزي كانت موجودة، وقبل الأطباء والعاملون في مجال الرعاية الصحية تخفيضات كبيرة في الدخل مع الاستمرار في علاج المرضى بإنسانية وتعاطف.
وعلى الرغم من كل الصعاب، حافظ مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت وقطاع الرعاية الصحية في لبنان على ثقة مرضاهما سليمة. وظلت جودة الرعاية ممتازة، وتكلفة الرعاية في متناول اليد. وبدأ العديد من الأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية الذين غادروا أثناء الأزمة، بالعودة.
وفي الجلسة نفسها تحدّث مدير مركز ترشيد السياسات في الجامعة الأميركية، الدكتور فادي الجردلي تحت عنوان "الواقع والرؤية للقطاع الصحي في القرن القادم"، فاعتبر "أنّ واقع القطاع الصحي في لبنان مرير جدًّا، فقبل الأزمة كان المواطن يدفع ما بين 35 و37 بالمئة للوصول للخدمات الصحية، بينما يدفع اليوم 85 بالمئة، مع وجود صناديق ضامنة وصناديق تعاضد وشركات تأمين، والوعود من البيانات الوزارية منذ العام 2000 بالاستثمار بالقطاع العام للتغطية الصحية الشاملة. وبحسب الموازنات فإن أقل من 6 بالمئة تذهب للرعاية الصحية، أما الباقي فهو للأسرّة والمستشفيات." وختم الجردلي كلمته بالقول "إنّ إصلاح القطاع الصحي غير معزول عن بقية الإصلاحات."