سوليكا علاء الدين
من يتابع عن كثب التقارير الصادرة عن الجهات والهيئات الأمميّة والدوليّة، يُلاحظ هول الكارثة التي أصابت لبنان ومدى حجم الأضرار التي حلّت به وعمق المعاناة التي لحقت بشعبه. فمنذ تشرين الأول 2019 وللعام الثالث على التوالي، يزداد الوضع سوءاً نتيجة توالي الأزمات والصدمات والنكسات المتداخلة حتى أصبحت المؤشرات والأرقام جميعها تُؤكّد الوصول إلى مرحلة خطيرة ودقيقة جدّاً خاصة على الصعيدين الانساني والاجتماعي، بعد أن تجاوزت مستويات الفقر والجوع والحرمان الصادمة كلّ الخطوط الحمراء منذرةً بفوضى عارمة وبانفجار حتميّ لشعب أصبح على شفير الهاوية.
فالبنك الدولي الذي توقّع في تقاريره السابقة أن يصبح أكثر من نصف اللبنانيين فقراء بحلول الـ2021، كشف في تقرير جديد له عن توسّع هائل في حزام الفقر في لبنان، ليضمّ فئات جديدة تبلغ نحو 2.3 مليون نسمة من المقيمين، ويتوزعون بين 1.5 مليون لبناني و780 ألفاً من النازحين السوريين، وذلك بعد رصد ارتفاع نسب الفقر عند اللبنانيين خلال العام الحالي بواقع 28 نقطة، مقابل 13 نقطة مئويّة في العام 2020، وارتفاع النسبة عينها بمقدار 52 نقطة مئوية بين النازحين في العام الحالي، مقابل 39 نقطة في العام السابق. كما أشار إلى أنّ الأزمات المتلاحقة التي ألمّت بلبنان مضافاً إليها وباء كورونا قد أثّرت على الأسر، سواء كان على الصعيد المالي من خلال خسارة المدخول، أو على الصعيد غير المالي عبر الخلل الذي أصاب القطاعات الصحية والتعليمية، مبيّناً أنّه في ظل المروحة من الأزمات التي تعصف بالبلاد، فإنّ يدي الحكومة اللبنانية مقيّدتان لجهة تقديم مساعدات اجتماعية للمواطنين وللمقيمين على حد سواء.
كما لفت البنك إلى أنّه في حين قامت هيئات مانحة، كالمفوضيّة السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي بزيادة مساعداتها للاجئين، فإنّ تلك المساعدات بقيت دون نسبة تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار؛ ما خفّض أيضاً من القيمة الحقيقية لهذه المساعدات، علماً بأن أعداداً كبيرة من الفقراء في لبنان يعملون في السوق غير الشرعيّة مع لجوء تلك المؤسسات إلى إلغاء وظائف وتعليق العمل خلال فترات الأزمات مع فشل التشريعات الحكوميّة بتقديم الحماية في هذه الحالات.
تقرير البنك الدولي لا يختلف عن آخر تقرير أعدّته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا"، تحت عنوان "الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهمة"، الذي لفت فيه إلى أن نسبة التضخم في لبنان سجّلت 281 في المئة في الفترة الممتدّة بين حزيران 2019 و حزيران 2021 ، الأمر الذي نتج عنه قفز في خط الفقر ليتجاوز الحد الأدنى للأجور بحيث تفاقمت مستويات الفقر إلى حد هائل في غضون عام واحد فقط لتشمل 74 في المئة من اللبنانيين خلال 2021، بعد أن سجلت 55 في المئة من السكان في2020، و28 في المئة في 2019. وفيما إذا تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في عين الإعتبار، مثل الصحة والتعليم والخدمات العامة، فإن نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد بلغت 82 في المئة من السكان، أي أن النسبة قد تضاعفت تقريباً بين عامي 2019 و2021 من 42 في المئة إلى 82 في المئة لتتضاعف معها نسبة الفقر المدقع المتعدد الأبعاد إلى 34 في المئة من مجموع السكان وفي بعض المناطق اللبنانية أكثر من نصفهم. هذه الأرقام المدويّة كانت قد أكّدتها أيضاً منظمة الأمم المتّحدة للطفولة "اليونيسف" في أحدث استطلاعاتها، حيث أشارت تقديراتها إلى أنّ ما يزيد عن 8 من كل 10 أشخاص يعيشون في حالة فقر، و34 في المئة واقعون في فقر مدقع.
وختم التقرير أنّه مع غياب المعلومات الموثوقة الخاصة بالفقراء، والتي اعتبرها فجوة أساسية للحض على التجاوب مع الأزمات ووضع خطط للتعافي، لا يتوقع البنك الدولي بأن يحصل التعافي في لبنان في الأفق الاقتصادي الحالي، لكنه يشدّد، في المقابل، على أنّ القيام بالاصلاحات الجذرية هي مدخل أساسيّ لطريق التعافي وأنّ برامج الحماية الاجتماعية تساعد كثيراً في التخفيف من وطأة الأزمات المتعددة.
بعد أن أصبح أكثر من ثلثي اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر، ومع استمرار استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتوتّر الأجواء السياسية ، تُبدي المؤسسات الدولية خوفها من تفاقم حدّة الانهيارات القاسية والمؤلمة وتخشى من انزلاق لبنان نحو الفوضى والخراب وبالتالي تهديد الاستقرار الأمني والمسّ بالسلم الأهلي، الأمر الذي من شأنه أن يُوقف عملية تقديم الخدمات والمساعدات ما يجعل تكلفتها الاجتماعية باهظة الثمن خاصّة على الأسر الأكثر عوزاً والتي تكافح من أجل الصمود والبقاء في ظل تدهور قيمة العملة الوطنيّة، وازدياد معدّلات التضخّم، وارتفاع أسعار الغذاء والمحروقات والدواء والنقل الفاحش وتراجع القدرة الشرائيّة، وصعوبة الحصول على أبسط مقومات العيش ومتطلبات الحياة اليومية ليبقى الفقر ثم الفقر مصير اللبنانيين الأسود ورفيقهم الدائم.
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.