-A
+A

الدولة شريكة للشركات النفطية المستثمرة، بواسطة من ؟

Business Echoes website logo
الدولة شريكة للشركات النفطية المستثمرة، بواسطة من ؟

# سهير خليفة
يبرز الآن الملف النفطي في لبنان، كواحدٍ من أبرزِ الملفات الاقتصادية والاستثمارية، التي ينظرُ اليها كـ "خشبةِ خلاص"، يمكنها أن تقيل لبنان من عثراته المالية المتفاقمة، نتيجةَ استمرار مسلسل الدين العام وتفاقم العجز المالي، الذي يهدد فعلياً الكيان الاقتصادي، بسبب عدم القدرة على لجمِ النزفِ المالي، وعدم توفر أيةْ موارد طبيعية يمكنها أن توقفَ هذا الاختلال....
ومن هنا، فإن قانون النفط، يحدد أن ملكية المواد البترولية والحق في إدارتها يعود حصرا للدولة، غير أن الدول النفطية غالبا ما تمنح حق امتياز لاستثمار ثروتها بالمحروقات لطرف ثالث، يكون عادة للشركات الاستثمارية الكبرى والمتخصصة، والتي أقل ما يقال عنها أنها شركات أكبر من دول...  من هنا تظهر الضرورة القصوى في ان تكون هذه الثروة غير المتجددة موضع إهتمام خاص من قبل المشرع  لتنظيم الإطار القانوني والمالي الذي تتم في نطاقه ممارسة أعمال البحث عن النفط وإستخراجه بطريقة تضمن المحافظة عليه
كأحد الموارد الطبيعية الهامة في عملية التنمية الإقتصادية  الشاملة للدول المنتجة.
وتعتبر عقود النفط التي تبرمها الدولة المنتجة مع الشركات المستثمرة الضمانة الأكيدة إن لم نقل الوحيدة لتأمين عائدات الدولة المضيفة وفائدتها من تلزيم ثرواتها الى الغير، إذ أن هذه العقود تعتبر الوسيلة الفعالة لحماية موارد الدولة من ثروتها.
وهنالك ثلاثة أنماط للعقود النفطية أو الأنظمة التي تحدد العلاقة بين طرفي العقد، وهي عقد الامتياز، عقد التشارك في الإنتاج، عقد الخدمة، وثمة نوع آخر من الترتيبات يعتبر أحياناً نوعاً رابعاً من عقود النفط، هي المشاريع المشتركة.
لقد اختار اصحاب السلطة في لبنان، وجهة تمزج بين نظامي الإمتياز وتقاسم الانتاج، وقد يظهر ان المزج بين هذين النظامين من العقود النفطية يمكن ان يكون جيدا وقرار اتخاذه حكيما، لو ان المشرع اللبناني جمع المميزات الأساسية لكل نظام مستبعدا الشوائب الخاصة بالنظامين، فهذا النظام الممزوج يفترض في الواقع وجود هرمية متكاملة على راس الدولة المنتجة، يحدد دور الشركات المستثمرة بشكل دقيق، ويختار عن طريق الكفاءة المتخصصين، وأول هذه الأساسيات الشركة الوطنية، فإن مفهوم مشاركة الدولة دون إنشاء شركة وطنية يجعلنا نتوقف لنسأل من يشارك من، إذ  يكتفي القانون بالتطرّق إلى إمكان مشاركة الدولة وإنشاء شركة وطنية في المستقبل، من دون تحديد صلاحياتها التي توجب أن تكون شريكة فعلية وفعالة في عملية الانتاج كي تكون كذلك في موضوع التقاسم والانتاج.
وعند التدقيق في قوانين النفط التي سنها المشرع اللبناني في 2010 والنصوص التنظيمية الملحقة بها، يتبين ان هذه المراسيم ليست الا عناوين عامة لا تدخل في التفاصيل، خاصة تلك المتعلقة بدور الدولة في عملية انتاج هذه الثروة، إذ إضافة الى الغموض في موضوع نسب الربح او العائدات،  وهو الأمر المعول عليه كثيرا في عقود النفط المبرمة حول العالم بين اي دولة منتجة واي شركة مستثمرة، نجد أن الأتاوة المحددة فيما يتعلق بالغاز والمعتبرة الأدنى عالميا عن مستوى الحد الأدنى المعمول به والذي يبلغ  12.5 هي 4 في المئة في لبنان وذلك طيلة فترة الانتاج ولو بقي ثلاثين عاما، مضافا اليها إعفاء الشركات من مجموعة من الضرائب دون اي مقابل والإبقاء عليها ثابتة غير متغيرة ايضا، بالمجمل يتبين جليا تغليب مصلحة الشركات على مصلحة الدولة وحق المواطن، كل هذا قد يمكن تصحيحه عبر نظام مالي مدروس بدقة ومتخصص في موضوع النفط، الى أن نصل الى الموضوع الأهم  ذلك الذي ننتظر أن يفسر المعنى الحقيقي لمفهوم عقد تقاسم الإنتاج، إذ يبدو عنوان العقد مغريا، أما إذا اقتربنا من الواقع وبتفسير مواد القانون والمواد التطبيقية، بعيدا عن العنوان البراق، فإننا نجد أنفسنا أمام تقاسم في الايرادات التي قد تحصل عليها الشركات المستثمرة وليس تقاسما لانتاج الثروة الحقيقي، إذاً نظام عائدات الدولة من الثروة ركيك، وهو أول انسحاب للدولة من مفهوم المشاركة وعودتها الى نظام يشبه عقود الامتيازات التي عمدت الدول الى الابتعاد عنها بهدف المشاركة الفعلية في الانتاج وذلك منذ منتصف القرن السابق تقريبا.
إضافة الى ما تقدم أعلاه تبدو مشاركة الدولة واهية وضعيفة من جهة كما موضوع الرقابة حيث الدور الأضعف من جهة ثانية، إذ يحق للدولة بموجب قانون النفط تدقيق وتفتيش سجلات الشركات المستثمرة وسجلات كل صاحب حق في العمل في نطاق هذا المجال، الواقع يبتعد أكثر عن فعالية هذا الكلام، فالشركات المستثمرة غالبا ما تكون من الشركات المتعددة الجنسية تلك التي تتمتع بقوة تفوق عادة قوة الدولة المضيفة من عدة نواح، أولها الموازنة وتليها المعرفة المتخصصة، يزيد من تعقيدات هذه المشاركة المادة عشرين التي وضعها المشرع ليناقض نفسه بنفسه، إذ توجب هذه المادة على الشركات المستثمرة أن تقوم بتدريب العاملين اللبنانيين في قطاع النفط، ليكمل بجملة تناقض ما بدأ به، من أن هذا الالتزام ينتفي عن عاتق هذه الشركات متى كان يناقض مصالحها ويتعارض معها، الأمر الذي يجعل الواقع واضحا أمامنا لناحية ان هذه الشركات ستدرب اللبنانيين، نعم، إلا في الأمور الخاصة بكميات انتاجها وبيعها وارباحها وكل ما يتعلق بمداخيلها ليبقى امرها مبهما، وهو ما يجب ان تكون الدولة على دراية خالصة به، الأمر غير المفهوم وغير المقبول، وإذا كان يحق للوزير ولهيئة قطاع النفط مراقبة اللجان التي تؤسسها الشركات فيما بينها فما ذلك الا كمراقبين دون ادنى سلطة للتدخل ايا كان موضوع هذه اللجان او قراراتها.
وإذا كان كل ما تقدم يخيف المواطن من ضياع حقه وحق اولاده من بعده في ثروة بلاده الوطنية، فإن ما يجعل الخوف اكبر هو ما نصت عليه المادة 35 من اتفاقية التنقيب والانتاج، فإذا كانت مبادرة الشفافيّة تركّز على عنصر واحد في سلسلة القيم المنتظرة، وهو الإيرادات، فهي تتجاهل التحديات الّتي تواجه البلاد في مجال أنشطة انتاج النفط، إذ الزمت كل من يتعاطى في مجال النفط ومشتقاته بموجب السرية المطلقة وهو عكس  المطلوب ، سيّما لجهة منح العقود للشركات على اسس واضحة تفيد مصلحة الدولة، كما في مجال أنشطة تؤمن حسن سير العائدات وتوزيع الايرادات، إذ أن الشفافية في عقود النفط خاصة باتت حاجة ملحة وضرورية لتأمين حسن سير الأعمال وحسن تطبيق القانون خصوصا ما يتعلق بالشق المنظم لمالية هذا القطاع،  الذي قد يكون نعمة على بلاد منتجة ونقمة على بلاد لا تعرف قيمة ما تنتج الا في إطار المصالح الآنية.
من هنا فإنّ مشكلة لعنة النفط لا تنبع فقط من الفساد السافر والمتوقع بحدّ ذاته، بل تكمن في عدم سن قوانين نفطية تراعي مصلحة الوطن وليس الشركات، إذ يجب ان يكون العقد الموقع فيما بين الدولة والشركة المستثمرة عقد مشاركة حقيقية ورقابة فعالة بوجود شركة نفطية وطنية، وإلا فعلى ما نحلم به ونضعه من آمال الف السلام.

بقلم سهير خليفة ، محامية مهتمة بقضايا العقود والتحكيم
لموقع Business Echoes

+A
-A
Business Echoes

مقالات مماثلة مقالات مماثلة

واتساب يهدد بإغلاق تطبيقه في هذه الدولة
واتساب يهدد بإغلاق تطبيقه في هذه الدولة
02:07 ص | 2024-04-29

واتساب يهدد بإغلاق تطبيقه في هذه الدولة

حاكم مصرف لبنان يتحدث عن 4 أعمدة لبناء الدولة
حاكم مصرف لبنان يتحدث عن 4 أعمدة لبناء الدولة
09:22 ص | 2024-04-26

حاكم مصرف لبنان يتحدث عن 4 أعمدة لبناء الدولة

خبر هام بشأن رواتب موظفي الدولة
خبر هام بشأن رواتب موظفي الدولة
07:43 ص | 2024-04-03

خبر هام بشأن رواتب موظفي الدولة

تراجع حاد لمبيعات آيفون في هذه الدولة ​
تراجع حاد لمبيعات آيفون في هذه الدولة ​
02:55 ص | 2024-03-28

تراجع حاد لمبيعات آيفون في هذه الدولة ​

Business Echoes

الأكثر قراءة الأكثر قراءة

اليوم
الأسبوع
الشهر
أسعار الذهب تغيّرت وأصبحت كالآتي
أسعار الذهب تغيّرت وأصبحت كالآتي
منذ 21 ساعة

أسعار الذهب تغيّرت وأصبحت كالآتي

سعر صرف الدولار في السوق السوداء في 2 أيار
سعر صرف الدولار في السوق السوداء في 2 أيار
منذ 21 ساعة

سعر صرف الدولار في السوق السوداء في 2 أيار

آبل على علم بها.. آيفون يعاني من مشكلة
آبل على علم بها.. آيفون يعاني من مشكلة
منذ 20 ساعة

آبل على علم بها.. آيفون يعاني من مشكلة

تذكير صادر عن وزارة المالية
تذكير صادر عن وزارة المالية
منذ 16 ساعة

تذكير صادر عن وزارة المالية

سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي
سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي
02:02 ص | 2024-04-30

سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي

تعرفة المولدات لشهر نيسان
تعرفة المولدات لشهر نيسان
08:44 ص | 2024-04-30

تعرفة المولدات لشهر نيسان

تغيير جديد ومهم سيشهده واتساب قريباً
تغيير جديد ومهم سيشهده واتساب قريباً
03:32 ص | 2024-04-26

تغيير جديد ومهم سيشهده واتساب قريباً

مواعيد وطريقة دفع رسوم الميكانيك لعام 2024
مواعيد وطريقة دفع رسوم الميكانيك لعام 2024
06:37 ص | 2024-04-29

مواعيد وطريقة دفع رسوم الميكانيك لعام 2024

سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي
سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي
02:30 ص | 2024-04-09

سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي

سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي
سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي
02:28 ص | 2024-04-23

سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي

أغنى 6 أشخاص في لبنان حالياً
أغنى 6 أشخاص في لبنان حالياً
07:42 ص | 2024-04-05

أغنى 6 أشخاص في لبنان حالياً

سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي
سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي
02:02 ص | 2024-04-30

سعر قارورة الغاز تغيّر وأصبح كالآتي

Business Echoes

اقرأ أيضا في الضيوف اقرأ أيضا في الضيوف

"تمكين المرأة".. من الفائز؟  ​
"تمكين المرأة".. من الفائز؟  ​
Our Guest
03:26 ص | 2024-03-14

"تمكين المرأة".. من الفائز؟ ​

علي العبد الله: هكذا نقل العرب أسرار صناعة الورق من مصر والصين إلى أوروبا
علي العبد الله: هكذا نقل العرب أسرار صناعة الورق من مصر والصين إلى أوروبا
Our Guest
08:12 ص | 2024-02-17

علي العبد الله: هكذا نقل العرب أسرار صناعة الورق من مصر والصين إلى أوروبا

كيف يمكننا التعامل مع الضغط النفسي؟
كيف يمكننا التعامل مع الضغط النفسي؟
around the world
04:00 ص | 2023-11-09

كيف يمكننا التعامل مع الضغط النفسي؟

إنعكاس ايجابي لتطور علاقات المملكة باليابان على المسار السعودي الصيني!
إنعكاس ايجابي لتطور علاقات المملكة باليابان على المسار السعودي الصيني!
Our Guest
07:26 ص | 2023-07-24

إنعكاس ايجابي لتطور علاقات المملكة باليابان على المسار السعودي الصيني!

Business Echoes

آخر الأخبار آخر الأخبار

خبراء وأطباء يدعون من مؤتمر "CardioS 2024" إلى التوجه إلى منتجات الدخان البديلة
منذ 8 ساعات

خبراء وأطباء يدعون من مؤتمر "CardioS 2024" إلى التوجه إلى منتجات الدخان البديلة

خبراء وأطباء يدعون من مؤتمر "CardioS 2024" إلى التوجه إلى منتجات الدخان البديلة
منذ 8 ساعات

خبراء وأطباء يدعون من مؤتمر "CardioS 2024" إلى التوجه إلى منتجات الدخان البديلة

 منتدى Beauty and Wellbeing Forum يختتم فعالياته بنجاح كبير
منذ 9 ساعات

منتدى Beauty and Wellbeing Forum يختتم فعالياته بنجاح كبير

 منتدى Beauty and Wellbeing Forum يختتم فعالياته بنجاح كبير
منذ 9 ساعات

منتدى Beauty and Wellbeing Forum يختتم فعالياته بنجاح كبير

تذكير صادر عن وزارة المالية
منذ 16 ساعة

تذكير صادر عن وزارة المالية

تذكير صادر عن وزارة المالية
منذ 16 ساعة

تذكير صادر عن وزارة المالية

يستخدم الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك.
موافق