وأشار التقرير إلى أن الحكومة قد أجرت بالفعل تعيينات رئيسيّة، بما في ذلك تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي بعد شغور دام عامين تقريباً، إلى جانب تعديل قانون السريّة المصرفيّة (الذي صادق عليه البرلمان لاحقًا) لتوسيع صلاحيات عدّة هيئات (مصرف لبنان، وهيئة التحقيق الخاصة، وهيئة الرقابة على المصارف) لرفع السريّة المصرفيّة، وإقرار مشروع قانون إصلاح القطاع المصرفي من قبل الحكومة (الذي تتم مناقشته حاليّاً في اللجان البرلمانيّة).
ومع ذلك، حذّر البنك الدولي من أنّ هذا التحسّن في الآفاق المستقبليّة لا يزال يعتمد بشكل كبير على إستمرار تحسّن الوضع الأمني وتنفيذ الإصلاحات الأساسيّة.
وفي هذا الصدد، أشار البنك الدولي إلى أنّه كان للحرب الأخيرة تأثير مدمّر على الإقتصاد اللبناني، حيث تم تعديل الإنكماش الإقتصادي لعام 2024 إلى 7.1٪ من 5.7٪ في إصدار خريف 2024، مع تأثير جميع المكوّنات (بإستثناء الإستهلاك العام) بشكل سلبي على الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي، مما أدّى إلى تراكم في التراجع الإقتصادي في البلاد منذ عام 2019 إلى حوالي 40٪.
وأضاف البنك الدولي بأنّ قطاعات الزراعة والسياحة والتجارة (وهي المصادر الرئيسيّة للدخل للعاملين ذوي الأجور المنخفضة والعمال غير الرسميين) قد تكبّدت 77٪ من الخسائر الإقتصاديّة (إجمالي 7.2 مليار د.أ.) للحرب، مما أدّى إلى تفاقم مستويات الفقر كما وأضاف بأنّ عمليّة إعادة الإعمار مرتبطة بتنفيذ الإصلاحات الرئيسيّة.
وتوقّع التقرير بأن ينمو الإقتصاد اللبناني بنسبة 4.7٪ في العام 2025، وهو ما سيكون في حالة تحقيقه أوّل نمو إقتصادي منذ العام 2017، مدعوماً بتحسّن مستويات الإستهلاك والسياحة، وتدفّقات رأس المال المحدودة، وضعف قاعدة الأساس.
وبالتفصيل، توقّع التقرير بأن يكون الإستهلاك مدعوماً بتحسّن الميل الهامشي للإستهلاك (بسبب تحسن ثقة المستهلك)، وتدفّقات التحويلات الماليّة وقطاع السياحة، ونشاط إقتصادي أفضل بشكل عام.
وتوقّع التقرير بأن يتراجع معدّل التضخّم في لبنان إلى 15.2٪ في العام 2025 (مقارنةً مع 45.2٪ و 221.3٪ في عاميّ 2024 و 2023 بالتتالي) مدعوماً بإستقرار سعر الصرف وإنحسار معدّل التضخّم العالمي، إلا أنه حذّر في هذا الصدد من أنّ التضخّم العالمي قد يتأثر بالحرب التجاريّة العالميّة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، علّق البنك الدولي بأنّه في حين أنّ التأثير المباشر للحرب التجاريّة العالميّة على لبنان قد يكون محدوداً إلى حد ما، حيث تشكّل الصادرات إلى الولايات المتحدة (رابع أكبر سوق لصادرات لبنان) 5.7٪ فقط من إجمالي الصادرات وتتكون بشكل أساسي من زيت الزيتون والمنتجات الغذائية الموجهة إلى المغتربين اللبناني والتي تعتبر أسعارها غير مرنة نسبيّاً، فإن التأثير غير المباشر يصعب التنبؤ به.
وقد علّق البنك الدولي بأنّ الماليّة العامّة في لبنان تتحسن، مدعومةً بتطوّر تحصيل الإيرادات، وهو ما يمكن أن يترك بعض المجال لزيادة الإنفاق على الخدمات الأساسيّة والنفقات العامة التي لبنان بحاجة ماسّة لها، إلا أنه أشار إلى أنّ الضغوط على المالية العامّة لا تزال مرتفعة وبالتالي هناك حاجة إلى إصلاحات رئيسيّة من أجل ضمان الإستقرار المالي على المدى الطويل. بالأرقام، بلغ فائض الموازنة العامّة في لبنان 0.5٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في عام 2024، بحيث بلغت الإيرادات المحقّقة 3.96 مليار دولار أميركي (15.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي) مقارنة مع إيرادات مقدّرة في الميزانية بحجم 3.44 مليار دولار أميركي (13.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي) متجاوزةً أيضاً النفقات البالغة 3.82 مليار دولار أميركي (14.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي).
وفي هذا الصدد، أضاف التقرير بأنّ موازنة العام 2025 (التي لم يقرها البرلمان بعد) تستهدف عجزاً صفرياً مع إيرادات ونفقات متوقّعة بقيمة 4.97 مليار دولار أميركي (15.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي).
وقد أشار التقرير إلى أنّ عجز الحساب الجاري للبنان إنخفض إلى 22.2% في العام 2024 من 28.1% في العام السابق، مشيراً إلى أنّه في حين تقلّص الإستيراد بنسبة 11% سنوياً، فإن ميزان الخدمات التجاريّة، الذي إعتمد عليه لبنان تاريخياً لسد إحتياجاته التمويليّة، قد تحول إلى مستوى سلبي في عام 2024 نتيجة الإنخفاض الحاد في صادرات الخدمات السياحيّة.
وتوقّع البنك الدولي تحسّن عجز الحساب الجاري للبنان إلى 15.3% في العام 2025، مدعومًا بتحسّن الناتج المحلّي الإجمالي الإسمي والخدمات المرتبطة بقطاع السياحة، إلا أنه أشار إلى أنّ القطاع الخارجي لا يزال يتعرض لضغوط كبيرة، كما وأنّ دقة تقديرات الميزان الجاري تتأثر بالإقتصاد غير الرسمي والنقدي. علاوةً على ذلك، يتوقّع البنك الدولي بأن تنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للعام الثاني على التوالي إلى 152.4% في العام 2025 مقارنة بـ 176.5% في العام 2024 و219.0% في العام 2023. وعلى الصعيد النقدي، علّق البنك الدولي بأن الليرة اللبنانية حافظت على إستقرارها حيث بقي سعر الصرف عند 89500 ل.ل. مقابل الدولار الأميركي منذ شهر آب 2023، مع نجاح االمصرف المركزي بالحفاظ على هذا الإستقرار من خلال شراء الدولار الأمريكي من السوق (ما نجم عنه زيادة الإحتياطيات بالعملات الأجنبيّة بمقدار 447 مليون دولار في العام 2024) وإعادة ضخّ الليرة اللبنانيّة في السوق (وبالتالي السيطرة على النقد المتداول).
كما تضمّن تقرير البنك الدولي محوراً خاصّاً، يُقدم خطة عمل لمدة عام واحد، تستند إلى الأهداف الأربعة التي حددها البيان الوزاري، وهي: وقف التدهور المالي والإقتصادي، وتعزيز الأمن الإجتماعي، والقضاء على الهدر والفساد، وصياغة قانون إنتخابات عادل. وفي هذا الصدد، تتمحور خطة البنك الدولي حول ثلاث ركائز أساسيّة، وهي: إستعادة الإستقرار الإقتصادي والمالي، وإعادة بناء ثقة المواطنين من خلال تحسين الحوكمة، والإستثمار في رأس المال البشري وتوسيع الفرص الإقتصادية. ف
يما يتعلّق بالركيزة الأولى، إعتبر البنك الدولي بأنّ الإستقرار الإقتصادي والمالي يشكّل حجر الأساس لأي إصلاحات، واقترح بناءً على ذلك إنشاء نظام نقدي ونظام قطع موثوق، بالإضافة إلى مواءمة أطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع معايير مجموعة العمل المالي (FATF).
فيما يتعلّق بالركيزة الثانية، إعتبر البنك الدولي بأنّ الخدمات العامة تعاني من سوء الإدارة وعدم الكفاءة ونقص الإستثمار، مضيفاً بأنّ الحكومة الرقميّة لا تزال مجزّأة وأنّ نظام المشتريات لا يزال غير شفّاف. وبناءً على ذلك، أوصت خطة العمل بتحسين الحوكمة من خلال إعتماد قانون محاسبة عامة منقّح وبدء إعادة هيكلة الخدمة المدنيّة وتعزيز الشفافيّة من خلال الأنظمة الرقميّة وهيئات الرقابة العامة.
وأخيراً، وفيما يتعلّق بالركيزة الثالثة، علّق البنك الدولي بأن رأس المال البشري في لبنان آخذ في التضاؤل بسبب تدهور جودة التعليم ونظام الرعاية الصحيّة المثقل بالأزمات وضعف شبكة الأمان. وبناءً على ذلك، تقترح خطة العمل المتعلقة بهذه الركيزة أن تبحث الحكومة عن آليات تمويل لمؤسّسات القطاع الخاص بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين إلى جانب تطبيق قانون المنافسة وإقرار التشريعات المتعلّقة بالتصفية وتعزيز دور المؤسّسة العامّة لتشجيع الإستثمارات في لبنان (إيدال).
المصدر: وحدة الأبحاث الاقتصادية في بنك الاعتماد اللبناني