مآسي أجيال لا تنتهي

سوليكا علاء الدين

سنوات تمرّ وأجيال تتعاقب وما زالت عبارة "أعطونا الطفولة.... أعطونا السلام"، يتردّد صداها حتى اليوم بين أطفال لبنان الذين يعيشون مع ذويهم أصعب الأيام وأقساها نتيجة أزمات مستعصية وغير متناهية. ففي وطن مُستنزف، تُنتهك فيه حُرمة الطفولة ويُفتقد فيه معنى السلام، تُسلب من الأطفال أبسط حقوقهم الانسانية وتُدمّر أحلامهم البريئة وتُحرم نفوسهم من العيش الكريم والحياة الرغيدة في بلد آمن ومستقر. هذا الواقع المأساوي عكسه تقرير منظمة الأمم المتّحدة للطفولة "اليونيسف" الذي حذّر من أنّ مستقبل الأطفال في لبنان بات على المحك جرّاء تفاقم تداعيات الانهيار الاقتصادي عليهم من نقص في التغذية والرعاية الصحية وارتفاع معدل العمالة.

التقرير الذي أعدّته المنظمة الدوليّة جاء تحت عنوان "البقاء على قيد الحياة من دون أساسيات العيش: تفاقم تأثيرات الأزمة اللبنانية على الاطفال"، إستند على تقويمين سريعين ركّزا على الأطفال قامت بإعدادهما اليونيسف في نيسان 2021 وبعدها في تشرين الأول 2021 بين الأسر نفسها، وخلص إلى أنّه في ظل عدم وجود ضوء في الأفق يوحي باقتراب إيجاد الحلول للأزمة اللبنانية، يشتد تأثير تلك الأزمة على الأطفال بشكل تدريجي، حيث أظهرت أرقام ومعطيات الاستطلاع الجديد الممتدّ على فترة ستة أشهر تدهوراً هائلاً في الظروف المعيشية وارتفاعاً في عدد الأطفال الذين يعانون الجوع، والذين اضطروا إلى العمل لإعالة أسرهم، والذين لم يتلقوا الرعاية الصحية اللازمة.

وفي تفاصيل الأرقام التي تم نشرها، أظهر التقرير أنّ 53 في المئة من الأسر لديها طفل واحد على الأقل فوّت وجبة طعام في تشرين الأول في حين كانت النسبة 37 في المئة في شهر نيسان. كما أفادت 30 في المئة من الأسر التي شملها الاستطلاع عن اضطرارها إلى خفض نفقات تعليم أطفالها بعدما بلغت نسبة تلك الأسر نيسان الماضي 26 في المئة، إذ تهدّد الأزمة فرص حصول 700 ألف طفل في لبنان على تعليمهم، منهم 260 ألف طفل لبناني. وأضاف أنّه على وقع الأزمة، اضطر عدد كبير من الأسر إلى اللجوء إلى آليات التكيّف السلبية التي غالباً ما تعرّض الأطفال للخطر الذين وجد الكثير منهم أنفسهم أمام خيار واحد هو العمل من أجل مساندة ذويهم والبقاء على قيد الحياة إذ أنّ 12 في المئة من الأسر التي شاركت في استطلاع اليونيسف السريع، دفعت بأطفالها إلى العمل في شهر أيلول مقارنة بنحو 9 في المئة في شهر نيسان بزيادة بلغت نحو سبعة أضعاف للأسر اللبنانية.

ولفت التقرير إلى أنّ انتشار وباء كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت فاقم من وطأة الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أكثر من عامين والتي صنّفها البنك الدولي ثالث أسوأ أزمة في العالم منذ العام 1850، حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها وبات نحو ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر. ومن أجل مواجهة التضخم الهائل، وتزايد الفقر، وندرة توافر الوظائف، اضطر 40 في المئة من الأسر الى بيع الأدوات المنزلية والأثاث وكان على 7 من كل 10 أسر شراء الطعام عبر مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو عبر الاقتراض المباشر لشراء الطعام، مقارنة بنسبة 6 من كل 10 أسر في شهر نيسان 2021. هذا وأظهرت التقديرات الأخيرة، إلى أنّ ما يزيد عن 8 من كل 10 أشخاص يعيشون في حالة فقر، و34 في المئة واقعون في فقر مدقع.

أما عن التداعيات الخطيرة للأزمة المستشرية على صحة الأطفال، فقد أشار التقرير إلى أنّ 34 في المئة منهم لم يتلقوا الرعاية الصحية التي كانوا بأمس الحاجة إليها في تشرين الأول مقابل 28 في المئة في نيسان خاصة بعد رفع الدعم والارتفاع الكبير في أسعار الأدوية وفي ظل النقص الحاد وعدم توافر الأدوية الأساسية في البلاد، ما جعل العديد من الأسر غير قادرة على تحمّل تكاليف الرعاية الصحية المناسبة لأطفالها. وفيما يتعلّق بأزمة المياه، يصفها التقرير بأنّها زادت الطين بلة وأصبحت تشكّل تهديداً هائلًا للصحة العامة بعد أن عجزت أكثر من45 في المئة من الأسر عن الحصول على مياه الشرب الكافية مرة على الأقل في الأيام الثلاثين التي سبقت إجراء الاستطلاع، مقارنة بأقل من 20 في المئة في شهر نيسان. في حين، افتقر 35 في المئة من هؤلاء الى مياه الشرب الآمنة بسبب ارتفاع كلفتها بعد أن كانت نسبة الأسر 28في المئة في نيسان.

في بلد تتوالى فيه الأزمات، تُطلق اليونيسيف من خلال تقريرها نداء استغاذة من أجل إنقاذ أطفال لبنان بعد أن أصبح الآلاف منهم عرضةً للخطر، فالمؤشرات جميعها تشير إلى تراجع دراماتيكي في أسلوب عيش هؤلاء الأطفال، الأمر الذي يتطلّب تحرّكاً عاجلاً واتخاذ تدابير فعّالة من أجل ضمان حياتهم ومستقبلهم واستكمال تعليمهم وتأمين الرعاية الصحية وتوفير الحماية الاجتماعية لهم. أطفال لبنان ليسوا كبش فداء ومكانهم الطبيعي مقاعد الدراسة وليس الشوارع أو أسواق العمل الاستغلاليّة. فمن غير المقبول، ومن غير الاخلاقيّ والانسانيّ أن يتمّ السكوت عن هكذا جريمة وأن يُحرم جيل بأكمله من حقه البديهي في الحصول على الغذاء والطبابة والتعليم؛ فهي حقوق مشروعة له وليست مِنّة من أحد، لذلك فإنّ الحفاظ عليها هو واجب مقدّس وخط أحمر لا يجوز لأيّ كان تخطّيه أو العبث فيه.

نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.