سوليكا علاء الدين
بعد مرور أقل من أسبوعين على التأليف، نجحت حكومة "معاً للإنقاذ" في تخطّي اختبار ثقة المجلس النيابي بمنحها 85 صوتاً من أصل مئة نائب حضروا الجلسة. وفي كلمة له قبل التصويت على الثقة، أكّد الرئيس نجيب ميقاتي على السّير في مسار الإنقاذ وأعلن عن استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي معتبراً إياها ضرورة وليس خياراً من أجل إخراج لبنان من أزمته المالية.
ومع تأزم الأوضاع الراهنة، يترقب الجميع خارطة الطريق التي ستتبعها الحكومة من أجل كسب ثقة المجتمع الدولي في ظل الخشية من تكرار تعثر المفاوضات بسبب فشل التجارب السابقة ولسوء أداء المنظومة الحاكمة في التعامل مع المؤسسات الدولية والعربية المانحة. وهذا ما عكسه "معهد التمويل الدولي" في تقريره الصادر بعنوان "تفاؤل حذر مقابل تحديات رهيبة"، الذي شكّك في قدرة الطبقة السياسية على الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل انقاذ الاقتصاد نظراً إلى إمكانية فشل الحكومة الجديدة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة بسبب وزراء يدينون بمواقفهم لانتماءاتهم السياسية.
كما أوضح التقرير أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومانحين رسميين آخرين امتنعوا في وقت سابق عن تقديم الدعم المالي للبنان بسبب الفشل المتكرر في القيام بإصلاحات حاسمة أهمها إجراء تدقيق كامل لحسابات البنك المركزي والمؤسسات العامة ، اعتماد تشريعات لإضفاء الطابع الرسمي على ضوابط رأس المال، ضمان استقلالية الهيئة القضائية للحد من الفساد وتحسين المساءلة، توحيد أسعار الصرف المتعددة، إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان والقضاء على الخسائر الناتجة عنها، تحقيق فائض مالي أولي كبير ابتداءً من عام 2022 لوضع الدين الحكومي على مسار هبوطي ثابت، إعادة هيكلة النظام المالي، والذي سيشمل إعادة الرسملة ودمج البنوك وإنشاء شبكة أمان اجتماعي موسّعة لحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً.
ولفت المعهد إلى أن التوقعات المشار إليها في خطة التعافي التي أعدّتها الحكومة السابقة في نيسان 2020 تحتاج إلى إعادة النظر إذ أنها تستند إلى متوسط سعر صرف قدره 3400 ليرة لبنانية مقابل الدولار وفي حال توحيد أسعار الصرف المتعددة الحالية عند حوالي 12000 ليرة لبنانية في حلول نهاية العام 2021، فمن المتوقّع أن يرتفع الدين الحكومي إلى حوالي 300 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. هذا بالإضافة إلى أنّ تضخم مؤشر أسعار المستهلكين لعامي 2020 و2021 يتجاوز بكثير التوقعات الواردة في خطة الحكومة في 2020، الأمر الذي من شأنه أن يغيّر الناتج المحلي الإجمالي المقدّر بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي، ويدعو إلى ضرورة مراجعة معظم مؤشرات الاقتصاد الكلي من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
وفيما يتعلق بقدرة لبنان على تحمّل الديون، أشار صندوق النقد الدولي إلى إمكانية وضع الدين العام المرتفع على مسار هبوطي ثابت من خلال تنفيذ تدابير مالية على النحو المبيّن في خطة السلطات مع العمل على إعادة الهيكلة والجدولة بحيث يمكن تخفيض نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 302 في المئة في عام 2021 إلى 119 في المئة في عام 2022 و83 في المئة بحلول عام 2025 على أن يحدث معظم الانخفاض في عام 2022 بعد إعادة الهيكلة وشطب جزء من الدين الحكومي المقوّم بالعملة الأجنبية (سندات اليورو).
ومع رفع الدعم المتوقع عن المحروقات، وفي حال فشلت الحكومة الجديدة في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة والاتفاق على برنامج لصندوق النقد الدولي قبل نهاية هذا العام، قد يستأنف سعر صرف الليرة انخفاضه إلى ما يزيد عن 25 ألف ليرة لبنانية أي 16 ضعفاً السعر الرسمي، ما سيؤدي إلى تضخم أعلى بكثير في العام 2022. وأمام هذا الواقع، أعدّ معهد التمويل الدولي سيناريوهين مختلفين:
1- السيناريو المتفائل (احتمال حصوله بنسبة 50 في المئة):
يفترض أن يُسمح للحكومة الجديدة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية العاجلة التي سيقرّها البرلمان بالكامل، والتي ستؤدي إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية هذا العام وتسهيل الحصول على المساعدات الإضافية. وبالتالي، يمكن أن يبدأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في التعافي إلى حوالي 4 في المئة في عام 2022 وأن يقابل الضغط التضخمي الناتج عن التخفيضات في دعم السلع الأساسية، ارتفاع كبير في سعر الصرف الموازي. كما توقع السيناريو انخفاض متوسط معدل التضخم من 165 في المئة في عام 2021 إلى 131 في المئة عام 2022، وانحفاض عجز الحساب الجاري الذي تقلص إلى ما يقدر بنحو 11.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 مدعوماً بانخفاض الواردات بنسبة 40 في المئة، إلى 8.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 و6.4 في المئة بحلول عام 2025. هذا وسيتحسّن الرصيد المالي الأولي، حيث يتحول من عجز قدره 1.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 إلى فائض بنسبة 0.7 في المئة في عام 2022، والذي سيستمر في التحسن إلى فائض بنسبة 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025.
2- السيناريو المتشائم (فرصة حدوثه بنسبة 50 في المئة):
يفترض إجراء إصلاحات جزئية أو استقالة الحكومة، وعدم وجود اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ونقص في التمويل الخارجي الكافي، وبالتالي انكماش الاقتصاد اللبناني مرة أخرى، وانخفاض سعر الصرف الموازي وارتفاع التضخم ونفاذ الاحتياطيات الرسمية المتاحة، وارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 300 في المئة.
مما لا شك فيه أن مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي لن يكون سهلاً وسيواجه الكثير من التحديات والمطبات الحادة، إذ يبقى الاختبار الأصعب أمام الحكومة هو استعادة كسب ثقة المجتمع الدولي الذي يشكك في نية المنظومة السياسية الحاكمة في عدم عرقلة المشاريع الإصلاحية والسماح بتنفيذها. وانطلاقاً من هنا، على الحكومة أن تثبت حسن نيتها وأن تسعى إلى إعادة الهيبة للدولة والمصداقية لمؤسساتها من أجل كسب الرهان والنجاح في اختبارها، فطريق الإنقاذ طويل وشاق ويحتاج إلى أفعال وليس مجرّد أقوال.
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.