إذاً، بعد الغلاء الفاحش الذي طال كافة السلع الغذائية والخبز والدواء والغاز ومواد المحروقات، ها قد حان اليوم دور خدمات قطاع الاتصالات. ومع الوصول إلى ساعة الصفر ودخول القرار حيّز التطبيق، شهدت محال الهواتف حالة من الإرباك والفوضى وسيطرت موجة من الهلع والغضب على المواطنين نتيجة الإنخفاض الهائل الذي أصاب رصائدهم المحوّلة من الليرة اللبنانية إلى الدولار وفقاً لسعر منصّة "صيرفة"، والخوف من الإرتفاع المؤلم الذي سيُرافق دفع فواتير هواتفهم المقبلة نهاية شهر تمّوز الحالي. وقد انعكس هذا الاستياء في القيام ببعض التحركات الاحتجاجية الخجولة أدّت إلى إغلاق بعض الطرقات تعبيراً عن الرفض القاطع لهذا القرار.
في المقابل، لم يعد خافياً على أحد أنّ قطاع الاتصالات كغيره من القطاعات الحيوية أُصيب بشظايا الأزمة الاقتصادية والمالية ما جعلته غير قادر على الصمود والاستمرارية. فالانقطاع الدائم للكهرباء وشحّ السيولة ونقص مادة المازوت وتحليق سعرها، وارتفاع كلفة التشغيل والصيانة أثّرت جميعها على مستوى الخدمات وأدّت إلى تدهورها بشكل غير مسبوق. هذا، واعتبر وزير الاتصالات أنّ رفع التعرفة هو خطوة ضرورية وعاجلة من أجل منع إنهيار القطاع كون معظم المصاريف التي تم تقليصها من 560 الى 255 مليون دولار هي بالدولار النقدي، في حين أنّ المداخيل لا تزال قائمة على سعر الصرف الرسمي المعتمد أي 1500 ليرة لبنانية في حملة دفاع عن إتخاذ هكذا قرار واعداً بتحسّن جودة الخدمات مع رفع التعرفة.
إذاً، بين التهديد والتلويح بانقطاع الخدمات أو القبول برفع التعرفة، وقعت عمليّة إنقاذ قطاع الاتصالات على عاتق المواطنين حيث سيتمّ تمويل استمراره في العمل عن طريق جيوبهم وما تبقى من أموالهم. ومن المؤكد أنّ زيادة الأسعار هذه سوف تشكّل عبئاً إضافيّاً عليهم لن يستطيع الكثير منهم تحمّله وبالتالي سوف يقوم العديد بالاستغناء عن بعض الخدمات المتوفرة التي كانوا يتمتّعون بها وصولاً إلى الخروج عن الشبكة، الأمر الذي يعني زيادة الضغط على قطاع الاتصالات وتهديد الكثير من المصالح بالتوقف عن العمل والشعور المطُرد بمزيد من الحرمان وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم اليومية. فهل هكذا يتمّ إنقاذ القطاع؟ وأين هو دور الإدارة الرشيدة والفعّال في الحفاظ عليه وتطوير بنيته وحمايته من التعرض للخسارة والفشل؟
يأتي رفع تعرفة الإتصالات والانترنت كجزء تابع لسلسلة الحلول الترقيعية المتّبعة منذ اندلاع الأزمة وحلقة من حلقات ارتفاع السلع والخدمات المستمر والمجُحف في حق المواطنين الذين يعانون من تآكل قيمة رواتبهم وتدهور قدرتهم الشرائية نتيجة تواصل انهيار الليرة اللبنانية دون تقديم أي مساعدة أو دعم مالي. فهل ستكون ردّة الفعل على التعرفة الجديدة والمُرتفعة لتكلفة الاتصالات شبيهة بتلك التي شهدتها زيادة 6 سنت أم أنّ استسلام اللبنانيين وقدرتهم على التأقلم السلبي والرضوخ الدائم والغير مقبول لكافة أنواع الظلم والاستغلال من شأنه أن يساهم في تمرير القرار وكأنّ شيئاً لم يكن؟